الأربعاء، 31 ديسمبر 2008

جدران الموت

السلام عليكم
الغرفة تعج بالأحياء. بعض أحيائها يصدون نيراناً هي كالنيران في ظاهرها مندفعة من بعض ابوابها ولكن مع اقترابها وحرقها إياهم فإذا بها برداً وسلاماً تبث فيهم حياة فوق حياتهم مع أن ظاهرهم تغير فأصبحوا أشباه الموتى ولكنهم في حقيقتهم أحياء, حياتهم فوق الحياة وموتهم وهمٌ فوق وهمٌ.
جدران الغرفة هي جدران ليست كالجدران بل جدران من جثث الموتى التى تراكمت من خارج الغرفة فتعالت أشلاءاً على حدود الغرفة المضيئة بضوء الحياة. ولكن من أين تناثرت كل هذه الأشلاء التي كونت جدران الموت؟! ... من خارج الغرفة؟!!... يالهول المنظر, بينما تعج جوانب الغرفة وشرفاتها بنور الحياة إذا بي أرى عالم من الموتى خارجها ولكن شأنهم يبدو غريباً مرعباً ... إنهم يتحركون ويأكلون ويشربون ولكن رائحة الموت تنبعث من كل عضو في أعضائهم ...
ياله من عالم غريب ... أشلاء ساكنة تعج بالحياة حرة في غرفة من نور رحبة رحابة كون كامل .... وكائنات تتحرك تعج بالموت مقيدة في عالم يقطن ثقب مِخْيَط.

والله أعلم
تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

الجمعة، 12 ديسمبر 2008

كتاب لأولي الألباب

السلام عليكم

أسلوب يرقى بالألباب
إننا إذا تأملنا القرءان الكريم بوصفه كلام الله حقاً ولو أننا حقاً أدركنا حقيقة أن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على عباده لأدركنا أن بين أيدينا كنز ليس كمثله كنز. إننا لو قرأنا لمفكر كبير أو عالم جليل مقالة أو كتاب لأحسسنا ان فهم كلامه يصعد بعقولنا من مستواها إلى مستوىً أرقى, فما بالنا بقراءتنا لكتاب أنزله ملكُ ملوك السماوات والأرض الذي لا يعلو بلاغةَ كلامه بلاغة ولايضاهي فصاحته ومحتواه المعرفي فصاحة نثرِ أديبٍ أو شعرِ شاعرٍ أو بحثِ عالمٍ متفحصٍ.

نظرة ضرورية!!
إن هذه النظرة لكتاب الله عز وجل لهي نظرةٌ ضروريةٌ لكل من يقرأه. لأنك إن لم تنظر لكتاب الله هذه النظره فلن تُقدر له قَدره وتعرف ما يميزه عن سائر الكتب كما أنك لن تستطيع الاستفادة منه لأنه لن تتولد عندك الهمة اللازمة لاستخراج نفائسه من كنوز الإيمان والعلم والمعرفة.

فهمٌ موضوعيٌ يزيدُ الألبابَ رقياً
إن معظم من يقرأون في كتاب الله يظنونه مقاطعاً وآياتٍ منفصلة, كل مقطع منها يتناول موضوعاً ما. ولكن ما لا يعرفه جل المسلمين أن كتاب الله مترابطةٌ أجزاؤُه ترابطاً عجيباً والعجيب في هذا الترابط أنه ترابطٌ خفي جلي!! فهو خفيٌ لمن يقرأ القرءان قراءة سطحية ويتعامل معه ككتاب عادي, وهو جليٌ لمن أعطي هذا الكتاب حقه من التأمل والتفكر وذلك نتيجةً لإيمانه بأنه كتاب الله جل شأنه فيجب أن تكون قراءتُه على مستوى هذا الكتاب فلا تكون قراءةً عادية تقليدية. إنما جُعل بيناً واضحاً لأولي الألباب الذين يُعطون القرءان حقه من التدبر والتأمل

قال الله تعالى
كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ
صدق الله العظيم

ضرب الأمثلة في القرءان يوصل المعنى ويشحذ الألباب
إن الله تعالى عودنا أن يضرب لنا الأمثلة في القرءان ليوضح لنا المعنى, ولكنها ليست كأمثلة البشر التي توضح المعنى فحسب بل إنه تعالى يحب المسلم القارئ للقرءان قوياً في ذهنه وقريحته فيعطي المثل بحيث يوضح المعنى دون إرخاء الذهن على عكس شروحات البشر. فالمثل القرءاني يكون في صورة لايمكن للقارئ سبر ما ورائها إلا بإعمال عقله والتفكر في معانيه وبالتالي بشحذه وتقويته.
يقول الله تعالى

وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ
صدق الله العظيم

كتاب يحث على العلم وعلم يحث على الإيمان

إن القرءان الكريم يعج بالآيات الكونية التي تلفت بصائرنا وعقولنا إلى خلق الله المحكم لكونه الرائع
قال تعالى
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ
صدق الله العظيم

كما أن الله تعالى يأمرنا أمراً بالتفكر والبحث في الكون من حولنا وفي بداية الخلق وما في هذا من عبرة ودلالة على إمكانية إنشاء الدار الآخرة ليكون بهذا الفكر العميق الأصيل إيمانُنا سبباً في إعمالِ عقولنا ويكون إعمالُها من ثَم سبباً في زيادة إيماننا !! فياله من كتاب يفتخر به كل من يتخذه مُرشداً ودليلاً.
قال الله تعالى
قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
صدق الله العظيم

الخلاصة
إن كتاب الله كتاب هداية وإرشاد لمن آمن به في هذه الحياة. ولن يتحقق هذا الرشد إلا بتقوية عقل المسلم وفكره. فالقرءان الكريم ليس كتاباً عادياً يقرأه القارئ وهو مسترخي الذهن خاملُه. ولكنه كتابٌ لأولي الألباب لا يستطيع استخراج كنوزه ونفائسه إلا من شحذ ذهنه قبل قراءته وأعمل عقله فيه وقتها. فليعلم كل مسلم أن دينَه وكتاب دينِه يريدُه بل ويعدُه ليكون من أولي الألباب الذين يفهمون كتاب الله ويفهمون كون الله كلاهما معاً متلازمين مترابطين.


والله أعلم

تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

السبت، 6 ديسمبر 2008

العقيدة والتفكير .. بين التوافق والتعارض

السلام عليكم
دوائر المعرفة
توجد ثلاثة دوائر للمعرفة:

أ- أصغر دوائر المعرفة هي دائرة المحسوسات, وهذه الدائرة يشترك فيها الإنسان مع غيره من الكائنات التي تتمتع بحواس. والمحصور في دائرة المحسوسات لا يصدق إلا ماهو موجود بها أي إلا ما يحسه بحواسه فقط لا غير. وإذا انحصر الإنسان في هذه الدائرة فهو كالأنعام لأنه لا يدرك ما هو ليس محسوساً بل هو أضل من الأنعام لأنه يمتلك العقل ولكن لا يستخدمه في هذه الوظيفة.
قال الله تعالى
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ
صدق الله العظيم

ب- دائرة أكبر وتحوي دائرة المحسوسات تُسمى دائرة المعقولات وهذه الدائرة لا يتم معرفة ماهو داخلها وخارج دائرة المحسوسات بشكل مباشر عن طريق الحواس الخمس ولكن العقل يستنبط حقائقها بشكل غير مباشر من دائرة المحسوسات.

مثال من الكون
نعطي مثالاً وهو قضية "وجود الالكترون" . بالرغم من أنه لم ير أحد قط ولن يرى الالكترون لكن وجوده حتمي بالعقل وذلك لأنه من المشاهدات التجريبية والتأثيرات التي يحدثها, نستطيع أن نسنتج وجوده بل وخصائصه بالرغم من عدم رؤيتنا له.

مثال من الميتافيزياء
ومن هذه الدائرة وجود الله عز وجل لأنه لا يُوجد كون دون خالق ولا تُوجد قوانين كونية دون مؤلف وصائغ لها.

كتاب الله وسنة رسوله من دائرة المعقولات
ويتتبع وجود الله عز وجل وخلقه للكون وللحياة وجود ما يرشد الإنسان على الدليل الذي يجب أن يهتدي به حتى لا يتخبط في سيره حيث أنه حر الإرادة وليس كالجماد مجبول على الطاعة. فيجب عقلاً أن ينزل هذا الإله الحكيم ما يرشد مخلوقه العاقل إلى الطريق القويم ويجعل من رسله من يفسر هذا الإرشاد ويطبقه تطبيقاً عملياً ليكون قدوةً للناس جميعاً. ولذلك فمن هذه الدائرة أيضاً وجود كتاب منزل من لدن الله فيه هداية البشرية للعمل بما يريده الله تعالى منهم في هذه الحياة ووجود رسول من لدنه يبلغ رسالته ويفسرها ويطبقها.

الإيمان بصحة نسب كتاب الله إليه من دائرة المعقولات
الحكم على كتاب "يُقال" بأنه من لدن الله أنه كذلك أم لا وذلك بمقارنته بكتب البشر من حيث المُحتوى والإسلوب والحكم على خلوه من التناقضات الداخلية والخارجية هو من دائرة المعقولات

الإيمان بصحة نسب سنة رسول الله إليه من دائرة المعقولات
الحكم على أقوال وأفعال "ُيقال" بأنها من أقوال وأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم, التي أمره الله تعالى أن يقولها أو يفعلها, أنها كذلك أم لا وذلك عن طريق علم الحديث هو من دائرة المعقولات

جـ- دائرة المُصدقات. ويقع في هذه الدائرة كل ما لا يمكن استنتاجه بالعقل مباشرةً ولا يمكن الإحساس به ولا تتكون هذه الدائرة إلا من خلال الثقة المطلقة في الله عز وجل الذي عرفناه من دائرة المعقولات والثقة في صدقه حيث أنه لا يحتاج إلى الكذب سبحانه وتعالى عن هذا علواً كبيراً. فلو آمنا بالله إلها ورباً وآمنا بالقرآن ككتاب الله الذي لم ينله التحريف إيماناً مبنياً على العقل , فإنه من السهل علينا بعد ذلك تصديق أي معلومة في القرءان حتى لو كانت غير مألوفة

العقيدة
العقيدة هو كل معلومة يقينية بحيث تكون كالعقدة التي عقدت في ذهن الإنسان. والعقيدة في رأيي تنطبق أكثر على دائرتي المعقولات والمصدقات أكثر من انطباقها على دائرة المحسوسات, وذلك أن الإحساس قد يتطرق إليه إيهام بشكل جزئي وليس عام ولذلك فإن المعقولات ينبغي بناؤها على ما ثبت وتكرر وتواتر من المحسوسات وحينئذ تكون اليقينيات العقلية ومن ثم المُصَدقات المبنية عليها أكثر يقينية من المحسوسات.

العقيدة والتفكير
إن العقيدة تُسْتَنْبَط بشكل غير مباشر من دائرة المعقولات عن طريق تصديق موثوق به ثقة تامة منتمي إلى دائرة المحسوسات أو المعقولات. ومن أمثلة الموثوق به ثقة تامة في دائرة المعقولات, بل هو الوحيد فيها, هو الله سبحانه وتعالى. وينبني على هذه الثقة بعد ذلك تصديق ما جاء إلينا عن طريق الوحي (الذي حكمنا على صحة انتسابه لله عز وجل بالعقل) تصديقاً وتسليماً بصحته ومثال ذلك وجود الملائكة وأيضاً الجنة والنار كتمثيل فعلي للثواب والعقاب (اللذان يُعدان من دائرة المعقولات) , وهذا دون إعمال العقل مرة أخرى إلا فيما يتعلق بتحويل نصوص العقيدة إلى عقيدة فعلية مرتبطة بكيان كل المسلم

التفكير يكون في الشريعة والتفكر في آيات الله
بتفسير الوحي والتفكر في آليات تطبيق أوامر الله عز وجل والتدبر في آياته القرءانية والتي وردت في السنة المطهرة وربطها بآياته الكونية لنكون من الأقوام المتفكرة التي أطرى عليها القرءان الكريم في مواطن عدة.

المراجع
1- القرءان الكريم
2- برنامج "أسماء الله الحسني" تقديم فضيلة الدكتور "محمد راتب النابلسي" على قناة الرسالة
3- كتاب "في البحث عن الله" لفضيلة الإمام "وحيد الدين خان"
4- كتاب "القرءان .. المعجزة الأبدية" لفضيلة الإمام "وحيد الدين خان"
5- العقل

والله أعلم


تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2008

السميع البصير

السلام عليكم
السمع لابد له من وسط ينقل موجات الصوت
إن الكائنات الحية لكي تسمع مصدراً للصوت لابد من مقومات لهذا السمع. وهذه المقومات هي أداة استقبال موجات الصوت ووسط ينقل موجات الصوت. وهذا الوسط يتكون من ذرات وتضاغط وتخلخل هذه الذرات هو الذي ينقل موجات الصوت إلى آذاننا لكي نسمعها ومن ثُم تدركها عقولنا.
ولكن تأمل معي قليلاً ..... إن أي وسط أياً كان لا يمكن أن يكون شفافاً تماماً لأن ذرات هذا الوسط تبعثر وتمتص موجات الضوء (أو فوتوناته).
شفافية الهواء نسبية
إن شفافية الهواء الذي نعيش فيه هي شفافية نسبية غير مطلقة. فشفافية الهواء هي كافية لإبصار الكائنات التي تعيش على كوكب الأرض للأشياء من حولها إبصاراً يعطيهاً كم المعلومات التي تعرف بالأشياء معرفةً تخدمها في حياتها اليومية وحسب.

أما لو تحدثنا بشكل علمي عن الهواء من حولنا فسنجده غير شفاف لكثير من التطبيقات العلمية وبالنسبة لنطاق واسع من ترددات الضوء حيث أن الهواء يمتص قدراً من الضوء المنقول فيصل أضعف إلى جهاز القياس. فمما لا شك فيه أن وجود الهواء (كوسط ناقل للصوت) يضعف مقدرة أجهزتنا أن تكون "بصيرة" بالأشياء من حولها.

إيضاح أكثر للفكرة
تخيل لو أننا نعيش في وسط من الجوامد بدل الهواء .... إنه تخيل غريب ولكنه يوضح فكرتنا .... إن سرعة انتقال الصوت في عنصر البريليوم مثلاً تساوي 12890 متراً لكل ثانية أي أنها تفوق سرعة انتقال الصوت في الهواء بـ 40 مرة تقريباً ... ولكن هل نستطيع أن نرى أي شئ حولنا إذا عشنا في وسط من البريليوم؟! بالطبع لا

إذن وجود الوسط من حول أداة القياس هو المسئول عن كمال السمع (أن تكون سميعاً) ولكنه في الوقت ذاته يضعف المقدرة على الإبصار (ألا تكون باصراً فكيف بكونك بصيراً؟!)

الله هو السميع البصير دوناً عن مخلوقاته جميعاً
إن سمع الله وبصره سبحانه لا ينطبق عليه حدود سمعنا وبصرنا لمخلوقات له .. وذلك لإنه جل شأنه يسمع تمام السمع فهو سميع بدون أن يؤثر ذلك عن إبصاره تمام الإبصار فهو بصير

سبحانك اللهم يا من تفردت بكامل القدرة حتى على الأشياء التي يستحيل اكتمالها معاً لنا نحن المخلوقات مثل قدرة السمع والبصر .... فها أنت السميع البصير ليس كمثلك شئ.
قال تعالى
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

صدق الله العظيم
والله أعلم

تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم