الجمعة، 25 سبتمبر 2009

ثقافة الغنيمة السهلة

السلام عليكم
مقدمة
تُرَى هل كان إيمانُ سلف الأمة وإسلامهم مختلفان عن إيماننا وإسلامنا كمًا فقط؟ أم إنهما يختلفان عنهما كمًا وكيفًا وترتيبًا للأولويات؟!
ما أعتقده هو أن كيف إيماننا وإسلامنا مختلفٌ عما كان يفهمه ويستشعره ويعمله أسلافنا رضي الله عنهم, فضلًا عن اختلاف ترتيب أولوياتنا في عبادة ربنا عنهم.

ثقافة الغنيمة السهلة
إن أمة محمد, صلى الله عليه وسلم, اليوم, إلا من رحم ربي, لا تسير في الاتجاه الصحيح ولا بالمقدار الصحيح في أمر الدين ولا ترتب أولوياتها في تعاملها مع الله جل شأنه, وإلا لما كان حالنا مثل ما عليه اليوم وحالنا لا يخفى على ذي بصيرة.
إن معظمنا للأسف اتخذ دينه هُزوًا من غير قصد أو بقصد, فتجد من يتساهل في أمر دينه من تضييع لبعض أركان الإسلام بعدم فهمها حق الفهم أو عدم العمل بها, وتجد من تبقى, إلا من رحم ربي, ما بين مجتهدٍ في الكم مغير في الكيف! أو مؤخرٍ للأولى مقدم للأقل أولوية من العبادات!
لكن تُرى, ما السبب؟!
إنها ما أسميه بــ "ثقافة الغنيمة السهلة" ذلك بأن الكثير من مسلمي اليوم يتاجرون مع الله تجارةً خاسرة, يقدمون لله بضاعتهم المزجاة أو الفاسدة راجين منه أن ينصرهم في الدنيا ويسعدهم في الآخرة!. إنهم يركزون على الكم دون الكيف ويولون المُتأخر على المتقدم في عبادتهم لله رب العالمين!!

أمثلة من تولية الكم على الكيف

الصلاة
فتجد كثيراً من "الملتزمين" , وهم كُثر, يهتمون بكثرة الصلوات, ويتهاونون في أمر الخشوع والتدبر وهما عند الله عظيمان, فلو صلى أحدهم الفروض والسنن الثابتة بخشوع وتدبر لأقواله وأفعاله حالَ الصلاة لكان أفضل له وأثقل في ميزانه من أن يصلى أضعاف ذلك بدون خشوع ولا تدبر.

قال تعالى في سورة المؤمنون آية 1,2
"قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ"
صدق الله العظيم

والمتأمل في شأن هؤلاء القوم تجدهم لا يعلمون, أو يعلمون ولا يفقهون, أنه ينبغي عليهم الخشوع والتدبر في كل حرف ينطقونه أو كل حركة وسكنة تصدر منهم. ولكن الأمر ليس باليسير أبدًا, فتجدهم يولون الكم على الكيف لأن الكم وإن كان فيه مشقة بدنية إلا أن المشقة العقلية والنفسية في سبيل الله هي أعظم وأعوز إلى ترويضٍ طويل للذهن والنفس حتى يرى الله منهم خيرًا فيهديهم سبيله في الصلاة الحقة.

الدعاء والذكر
إن الدعاء هو من أعظم العبادات التي يتجسد فيها توحيد العبد لله وحبه وخضوعه له ورجائه وثقته به وتوكله عليه إلا أنه يوجد الكثير من يسميهم الناس أو يسمون أنفسهم بــ"الملتزمين" أدعيةً يحفظونها ولا يفقهونها أو يشعرون بها, فتستحيل مجرد طقوس صماء, وهذا لا ينبغي أبداً مع عبادة عظيمة كعبادة الدعاء.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الدعاء هو العبادة
الراوي: النعمان بن بشير المحدث: النووي - المصدر: الأذكار - الصفحة أو الرقم: 478
خلاصة الدرجة: إسناده صحيح


أما الذكر فحدث ولا حرج: فالذكرالذي يلي الصلوات مثلًا, والذي هو من أعظم السنن, فتجد من يظن نفسه "ملتزمًا" يحافظ عليه عقب كل صلاة, ولكن كل ما يشغل باله بشأنه ان يحسن العد!!, بينما لا يكاد يفيق لما يقوله بعقله أو يستشعره بقلبه, وكأن ما يزن عند الله هو العدد دون الكيف!! يالهم من أناس لا يرجون لله وقارًا!.

قراءة القرءان
إن قومنا ينقسمون إلى أقسام بشأن قراءة القرءان الكريم
1- فمنهم من لا يقرأ القرءان البتة.
2-ومنهم من يقرأ القرءان ليحصل بكل حرف عشر حسنات "في ظنه" ولا يكاد القرءان يجاوز جنجرته, وهو يحتج أو يتكأ على حديث النبي صلى الله عليه وسلم
" من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول { ألم } حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1416
خلاصة الدرجة: صحيح"

وهم ينسون أو يناسون أو يذكرون ولا يفقهون أن الله تعالى قال في كتابه الكريم
سورة محمد آية 24
"أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"
صدق الله العظيم

ولا يستسيغ عاقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو الذي لا ينطق عن الهوى, وعد في حديثه أعلاه بعشر حسنات للحرف لمن لا يتدبرون القرءان والذين هم في موضع ذم من كتاب الله. فوجب استباطًا أن يكون المقصودون في الحديث الشريف هم الذين يقرأون القرءان متدبرين ومستشعرين له.

3- ومنهم من يقرأ القرءان متدبرًا له بعقله مستشعرًا لحلاوته وطلاوته بقلبه .... ومن المؤسف أن تكون هذه الفئة قلة.

4- ومنهم من يقرأ القرءان متدبرًا ومستشعرًا له وعاملًا بما فيه من نور وهداية .... ومن المؤذي للنفس أن تكون هذه الفئة ندرة نادرة.

أمثلة من تقديم الأقل أولوية وتأخير الأولى

توجد أمثلة كثيرة من هذا اللهو بدين الله تعالى ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر
1- تقديم المظهر وتأخير الأخلاق الحسنة
ومما ذُكر في باب حسن الخلق أنه صلى الله عليه وسلم قال : "من خياركم أحاسنكم أخلاقا"
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: أحمد شاكر - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 11/64
خلاصة الدرجة: إسناده صحيح

2-التقاعس عن تحصيل العلوم المادية التي من شأنها أن تقوي شوكة المسلمين, فتجد من يلتزم بما هو سنة, أو على الأكثر فرض مختلف في فرضيته, في مظهره مثلًا ويترك ما هو فرض لا مراء فيه مثل الجهاد في طلب العلم النافع والعمل به.
ومما يُذكر في باب طلب العلم النافع قوله صلى الله عليه وسلم
"من سلك طريقا يلتمس علما سهل الله له طريقا إلى الجنة"
الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن العربي - المصدر: عارضة الأحوذي - الصفحة أو الرقم: 5/320
خلاصة الدرجة: صحيح

الخلاصة
إن من أهم أسباب ارتكاس شأن المسلمين اليوم بين الأمم في مجال القوة العلمية والمادية بل وفي مجال الدعوة إلى الله هو إيثارهم كل ما هو يسير ولا يتطلب جهدًا ولا عناءًا من تعاليم الإسلام والتي في الأغلب تكون على هيئة تغليب الكم وإهمال الكيف, والعمل بالأقل أولوية وهجر الأولى أو تأخيره, وهذا ما أسميه في هذا البحث بـ "ثقافة الغنيمة السهلة" فيطمئن معظم المسلمون أنهم بذلك أرضوا ربهم, وفي هذا اعتبار, بلسان الحال أن سلعة الله (الجنة) زهيدة بينما هي والله غالية, يظنون أنهم سيدخلون الجنة وهم لم يخشعوا لله ولم يفقهوا دينه ولم يجاهدوا فيه حق جهاده ولم يُؤذوا في سبيله.
قال تعالى في سورة آل عمران آية 142
"أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ"
صدق الله العظيم

فلنقدر الله حق قدره ولنكن على مستوى المسئولية العظيمة المكلفين بها وننصر الله تعالى حتى ينصرنا في الدنيا ويسعدنا فيها ويرزقنا جنته في الآخرة.

والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

السبت، 19 سبتمبر 2009

علوم المسلمين الدفينة

السلام عليكم
وشهد شاهد من أهلها
فيلم وثائقي ألماني للمرة الأولى في التاريخ يعترف بل يُفصل في تعريف العالم بفضل المسلمين الأوائل على أوروبا, وليس هذا وحسب بل اعترف المؤرخون كما سترونهم في الفيديو المرفق بأن سبب هذا التقدم لم يكن وطنية ولا قومية ولا رأسمالية ولا اشتراكية! بل السبب هو تشجيع الإسلام على التقدم والابتكار في العلوم.

ففي شأن التفكر في خلق السماوات والأرض وذلك بالاستكشاف والتجارب والاستقراء يقول تعالى في سورة آل عمران آية 191
"الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار"
صدق الله العظيم

ويقول تعالى أيضاً في سورة العنكبوت آية 20
"قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدا الخلق ثم الله ينشئ النشاة الاخرة ان الله على كل شيء قدير"
صدق الله العظيم

وفي شأن أمر المسلمين باستخدام كل ما في الأرض للمنفعة في الدنيا والآخرة يقول تعالى في سورة الجاثية آية 13
"وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا منه ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون"
صدق الله العظيم

وفي أمر المسلمين باستخدام المواد الخام في الصناعات المدنية والعسكرية يقول تعالى في سورة الحديد آية 25
"لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز"
صدق الله العظيم

إن انتصار المسلمين على الصليبيين في معركة حطين كان بسبب التقدم العلمي للمسلمين كنتيجة للالتزام بالإسلام, في حين كانت أوروبا بقيادة الكنيسة حينئذ في قاع التخلف العلمي والحضاري. أترككم مع الفيلم الشيق والذي يتكون من 6 أجزاء مُترجمة:
















الخلاصة
بخلاف ما يفتريه العلمانيون على الإسلام , فالإسلام صالح لكل زمان ومكان لأنه يشجع على التطوير والابتكار والتفكر والتدبر في شئون الدنيا حيث أنه ينص صراحة أن المسلمين لهم كامل الحرية في الابتكار وإيجاد الحلول في أمور دنياهم بل إنه أمرهم بهذا كوسيلة للحياة الكريمة وللقوة المعنوية والمادية.
كما يشجع الإسلام على الاجتهاد في مجال الدين في القضايا المسكوت عنها أو في القضايا المسكوت عن تفاصيلها الدقيقة و أيضاً في القضايا المذكورة ولكنها مذكورة بنصوص مرنة يُمكن فهمها بطرق متعددة وذلك بتعدد الأفهام والقرائح.
أما مجالات الدين الغير قابلة للإجتهاد هي المنصوص عليها بصراحة لا يمكن معها الفهم المتعدد وبتفاصيل دقيقة لا يمكن معها الاجتهاد في الفاصيل. وهذه المجالات الغير قابلة للاجتهاد هي المقابلة لطبائع الإنسان التي لا تتغير مع مرور الزمان ولا تتغير حسب المكان وأيضاً الأمور العقائدية التي تمثل أساس الإسلام المتين والتي لا تتغير مع المكان والزمان أيضاً.
والدليل على أن الإسلام هو سبب تقدم المسلمين الأوائل أن ظهور العلوم التجريبية والنظرية في العالم كان مرتبطاً بظهور الإسلام على وجه الأرض, وقد كان العرب قبل الإسلام قبائل متناحرة متخلفة كل ما برعوا فيه هو اللغة والحرب لأسباب تافهة وبوسائل بدائية متخلفة.

والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

النجاح بين الأمال والآلام

السلام عليكم
تُرى هل توجد علاقة بين اﻷمل واﻷلم غير أنهما تتكونان من نفس الحروف؟
إن اﻷمل يورث اﻷلم عندما ﻻ يتحقق هذا اﻷمل!!
وعلى الجانب اﻵخر, فإن اﻷمل يولد الرغبة والطموح اللذان يدفعان اﻹنسان في طريق النجاح. ذلك الطريق الذي ﻻ يخلو من أشواك وآلام ومعوقات وأناس كثيرين يسيرون في الطريق عكسًا يريدون أن يقهقروك ويجرفوك معهم. إلا أن مقاوتنا لهذا كله والتقدم نحو الهدف يوصلنا حتمًا إلى النجاح ولو بعد حين. وحين يهبنا الله النجاح في النهاية ينسينا جميع آلام الطريق ونعلم حينئذ أن أهدافنا السامية كانت تستحق منا تحمل اﻵلام وبعض نزف من دماء!
وللوصول للنجاح يجب تحقق عوامل ﻻبد منها:
1- أن يعمل اﻹنسان لتحقيق الهدف عملًا جادًا بكل ما آتاه الله من قوة فكرية ونفسبة وجسدية

2- أن يضع اﻹنسان في ذهنه دائما أننا بإمكاننا غرس البذر في التربة وليس بإمكاننا تحولها إلى زرع يمكن حصاده ,وإنما ذلك بيد الله وحده, ثم يرضى بقضائه تعالى حتى لو لم ينجح الزرع, فلا يتألم حينئذ
قال تعالى
"أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ"
صدق الله العظيم

3- يجب على اﻹنسان الدعاء و احلال الرجاء مكان اﻷمل, الرجاء من الله تعالى أن يحقق ما يرنو إليه, وفي اﻵن ذاته يجب ألا يغفل أن الله يستجيب الدعاء وﻻ يلبيه فالله يفعل ما يشاء استجابةً لدعائنا وليس بالضروري أن يكون ما يشاء مطابقا لدعائنا. فإن فقهنا هذا ﻻ يتحول الدعاء إلى أمل وبالتالي لن يورث اﻷلم إن لم يتحقق ﻷنه قضاء الله وقدره

4- إن حقق الله لنا ما نرجوه من نجاح, فيجب علينا أﻻ نفرط في الفرحة لحد الزهو ونسيان فضل االله علينا. فالفرح يكون بطاعة الله وفي طاعة الله وبنعم الله ذاكرين دائمًا أنها محض رزق منه تعالى: قال تعالى

"قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"

صدق الله العظيم

أما إذا نسينا أن النعمة من لدن الله تعالى, وهو صاحبها, فسيؤدي ذلك إلى أن نتألم إذا ضاع منا ما فرطنا في الفرح به! وإنما يجب علينا أن نضع نصب أعيينا أن ما أوتينا هو من ملك الله, والمالك له أن يسترد ملكه أنا شاء وكيف شاء

قال تعالى
"مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"
صدق الله العظيم

الخلاصة
عليك بالعمل الجاد وبالرجاء في الله ممزوجا بالثقة فيه وفي حكمته ورحمته والرضا بقدره ولتنبذ اﻷمل الخالي من تذكر حكمة الله في كل حدث يحدث لك, ذلك ﻷنه يورث اﻷلم. وإن آتاك الله ما رجوت منه فلا تفرح به باختيال وفخر فإنه نعمة من الله وليس لك فيه شئ, فإن فخرت فأنت تفخر بما ليس من ملكك وهذه حماقة, هذا فضلا على أن الفرحة من غير حكمة تورث اﻷلم أيضا إذا ما فقدت ما رُزِقْتَه, ولذلك فاستعد دائما أن يسترد المالك أمانته في أي وقت وحين.

والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

الاثنين، 14 سبتمبر 2009

قصة الكترون عابدٍ لله تعالى

السلام عليكم
انني الكترون اخترت أن أكون مجبراً على عبادة الله الحق لأنني أشفقت من حمل الأمانة (حرية الاختيار), وقد شرفني الله تعالي بذكري وذكر من هم على شاكلتي ممن ليس لهم روح مُختارة في كتاب الإسلام القرآن الكريم بالمدح المقابل لذم الإنسان لأنه تجرأ على حمل الأمانة حيث قال تعالى
"إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا"
صدق الله العظيم

بدأ موقفي الحرج عندما أراد أحد بني آدم الذين بأن يعرف طريقة عملي من خلال تجربة تسمى "تجربة الحاجز ذي الشقين" او "Double Slit Experiment", وأترككم مع هذا الفيديو لشخصية كرتونية تُسمى د.كوانتم ثم أكمل المقال:



وكما هو مبين في الفيديو فإنني اعتدت أن أمر من الشقين معاً في التجربة مع حفاظي على كوني الكترون واحد غير منقسم كما في الفيديو أعلاه .... ولكي يريح الإنسان باله تخيل أن لي موجة احتمالية تمر من الشقين معاً وتتداخل تداخلات هدامة وبناءة حتى تكون أهداباً مضيئة وأخرى مظلمة على الشاشة الحساسة للإلكترونات, وذلك في حال مرور إخوة لي من الالكترونات خلفي واحداً تلو الآخر بحيث لا يمر الكترونان سوياً, ... بمعنى آخر افترض الإنسان أنني أكون موجتين احتماليتين أثناء عبوري للشقين ثم أعود أدراجي لطبيعتي الجسيمة مرة أخرى عند اصطدامي بالشاشة ويتحدد الأماكن المحتملة لسقوطي على الشاشة من التداخل البناء لموجتي احتمال وجودي الصادرتين من الشقين!!! بالطبع كل هذا نموذج رياضي ولكن ليس للإنسان قدرة على تخيل ما يحدث فعلاً لأنه لا يوجد معنىً فيزيائياً لموجة الاحتمال وانما لها معنىً رياضياً فقط.والإنسان يقصر تخيله على ماله معنىً فيزيائي فقط.

وكما رأينا في الفيديو فإن الإنسان تمرد (وهذا التمرد ليس عيبا فقد قال تعالى "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق") على هذا الوضع ولم يرضَ بهذا النموذج رضاءاً تاماً بدون تخيل ما الذي يحدث فعلاً. كيف أعبر من الشقين في الوقت ذاته؟ وذلك لأن عبور موجة الاحتمال المصاحبة لي من الشقين ليس معناه أني أنقسم إلى شطرين وإنما معناه أنني أعبر من الشقين في الآن ذاته!! ولكن باحتمالية حدوث معينة!!.... إنه كلام لا يتخيله عقل ولكنها التجارب وعلى الإنسان أن يصدق ما يحدث في المعمل.
وتخيل الإنسان أنه إذا راقب عملية العبور عن كثب فإنه يقيناً سيعرف ماذا يحدث بالضبط حيث أنه شغوف بالعلم وهذا حسن, ولكنه ﻻ يعرف حدود العلم, ﻻ يعرف أن له حصة معينة من العلم آتاه الله إياها بحيث لا يمكن أن يخرج عنها, ولذلك فهو مُقدم فيه, وهذا اﻹقدام مطلوب منه شرعا, ولكن بعض "العلماء" توهموا أنهم يمكنهم علم كل شئ عن طريق المراقبة والقياس حتى قال ستيفن هاوكنج "أنا بصدد أن أعرف كيف يفكر الله!!!", ولكن هيهات, فقد قال تعالى:
"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً"
صدق الله العظيم

واﻵية ﻻ تصد عن التعلم أبداً ولكنها تقر حقيقة وجود ما أسميه بـــ "العلم المُتاح" فلا يمكن للإنسان أن يعرف أكثر منه, ولكن رحمة من ربه به فإنه لم يُعلمه بحدود العلم حتى يستمر في عمارة اﻷرض بل قرر أن الذين يخشون ربهم بأنهم هم من العلماء.

قال تعالى
"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
صدق الله العظيم

ومعنى اﻵية يتنافى مع غطرسة "ستيفن هاوكنج" وأمثاله.

وقد حاول اﻹنسان معرفة كيفية عملي بشتى الوسائل كما هو مُبين بشكل فكاهي في الفيديو وكانت النتيجة عجيبة جداً. أنني لم أطاوع الإنسان في تعريفه كيف أعبر الشقين في الوقت ذاته, لم أطاوعه لأنني لو فعلت ذلك لعلم أكثر من الحصة العلمية المقدر له سلفاً أن يعلمها, وذلك ﻷن تجربة ذات الشقين تقع على حافة حدود علمه من إحدي جهاتها, وبالتالي فطاعةً لربي يجب أن أخدع الإنسان الذي يحاول أن يعلم أكثر مما ينبغي له, من غير أن يقصد, ويتعدى الخط الأحمر للمعرفة - والذي ﻻ يعرف مكانه بالطبع ولذلك هو مستمر في تعلمه إلى يوم القيامة وهذا محمود شرعا- عبرت من شق واحد فقط بدلاً من الشقين معاً!! وسقطت على الشاشة باحتمال اقصاه في المنتصف أمام كل من الشقين ويقل الاحتمال كلما ابتعدت عن المكان المقابل للشقين في الحاجز بشكل تدريجي, بحيث لو تتابع إخواني من الالكترونات واحداً تلو الآخر خلفي لكانت كثافة الإضاءة على الشاشة لها حد أقصى أمام الشقين وتضعف تدريجياً كلما ابتعد القياس عن المركزين ذوي الإضاءة القصوى, بحيث تختفي تماماً الأهداب المظلمة التي كانت تحدث بدون مراقبتي أنا وإخواني في الطابور خلفي!!.

وبالتالي فإن طريقتي التي هداني إياها ربي في العبور خفيةً من الشقين معاً لا يمكن أن يعرفها الإنسان إذا أراد أن يهتك سِتر عملي في الخفاء. وقد قال تعالى في شأن هدايتي لهذه الطريقة الغريبة التي يستحيل على الإنسان معرفتها أو تخيلها:
"قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى"
صدق الله العظيم

الحمد لله الذي سترني في طريقة عملي وتفاعلي مع الكون من حولي, فجعلها تقع خارج حافة العلم المُتاح, بحيث لا يعلمها اﻹنسان, مهما ظن أنه يمكنه علم كل شئ, مثل بعض من يدعون العلم, حتى أنه لو أصر على هتك هذا الستر, ومن حقه هذا ﻷنه لا يعلم حدود العلم كما أسلفت, كانت الضريبة أنني أغير من سلوكي حتى لا يكون قد هتك الستر حقيقةً ويظل على جهله بما يحدث فعلاً خلف ستر ربي سبحانه وتعالى, فالحمد لله رب العالمين الذي فضلني على كثير من عباده تفضيلاً, فاﻹنسان عرف كيفية عمل أشياء كثيرة, إﻻ أنه على الدوم جاهل بعلة هذا العمل.


والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

الجمعة، 11 سبتمبر 2009

ثقافة فقاعة الصابون

السلام عليكم
مأساة "أمةٍ" كانت أمةً
نحن المسلمين أناسٌ عاطفيون تتأجج عواطفنا بسرعة فائقة مع قضايا بني جلدتنا ومآسيهم في كل مكان على هذا الكوكب, فيقدم غالبنا كل ما هو عاطفي للتفاعل مع كل ما هو واقعي مادي ملموس! فنتوهم أننا ننقذ المكلوم الحقيقى بعاطفةٍ لامعةٍ هشةٍ منعدمةِ الاتجاه الذاتي كفقاعةِ الصابون, تذهب بها رياح الإعلام العاتية وتيار بعض الفتاوى الدينية المُسَيْسَة إلى حيث يريدها أعداؤها, ثم ما تلبث بعد انتهاء تركيز الإعلام على المأساة بلويحظات قليلة أن تتفجر الفقاعة ونعود أدراجنا جسدًا متقطعَ الأوصالِ باردًا كالثلج.
وياللعجب, إن هذا يحدث بالرغم من أن المأساة مازالت موجودة, إلا أن الإعلام قد سلط الضوء على قضية أخرى فتسير عقولنا كالقطيع مع ضوء الإعلام إلى قضيته الجديدة!!!, فنثبت في كل مأساة أننا أبعد ما نكون عن صفة الجسد الواحد النابض بالحياة ودفئها, الذي إذا اشتكى منه عضو ظل باقي أعضائه متألمًا ومساعدًا للعضو المشتكي حتى تزول شكواه أو يموت الجسد جميعه حياً بشرف التعاون كما أوصانا دينُنا الحنيف.
والحق يُقال فالقليل منا يتفاعل بجدٍ بأفعال حقيقية ملموسة على مستوى المأساة ويقدم مساعدةً عملية لا تخلو من عاطفةٍ إيجابية, عاطفةٍ مؤججةٍ للعمل الفعال وموجهةٍ له نحو الاتجاه الصحيح. ولكن تُرى هل هذه الفئة القليلة تستمر في متابعة المأساة حتى بعد انطفاء أضواء الإعلام من عليها؟ للأسف, غالب من يتعاملون بجدٍ مع المأساة تنطفئ حرارةُ تفاعلِهم وتنكمش فقاعتهم, الأكثر قوة من فقاعة أهل طغيان العاطفة, مع انطفاء أضواء الإعلام من على المأساة!! فتندثر بدلًا من أن تنفجر في الحالة الأولى!!

الواقع الأليم
إذن فغالب كلا الفريقين الهازل والجاد تعود أن يكون دميةً في يد الإعلام (والذي يسيطر عليه على المستوى العالمي حفنةٌ من الصهاينة), يوجه اهتمامه حيث يشاء, تعود أن يكون جهده بل ومشاعره كفقاعة صابون, إما أن تنفجر عند كونها عاطفية لامعة هشة, أو تندثر وتصغر عندما تكون عملية قوية, وذلك يحدث غالبًا بتحول أضواء الإعلام المبهرة من على المأساة وتحول معها أنظار المسلمين واهتماماتهم إلى بقعة الضوء في مكانها الجديد وكأن شيئًا لم يكن!!

فقاعة الصابون - هل تذكرون هذه الأمثلة؟
والأمثلة على ثقافة فقاعة الصابون كثيرة فهل نذكر أو نحمل همًا الآن لقضايا طالما تفاعلنا معها بقوة عندما كانت في بدايتها وكنا نأخذ حرارة حماسنا من حرارة أضواء الإعلام؟ على سبيل المثال لا الحصر, أين قضايا البوسنة والهرسك والشيشان وكشمير واحتلال أفغانستان والعراق؟ هل نعلم عن هذه القضايا شيئًا مذكورًا الآن أو إلى أين انتهى بها حالُها في زماننا؟ أين نحن من محرقة غزة المُحاصرة الآن؟ هل مازلنا نهتم بشأنهم أم أن اهتمامنا انحسر مع انحسار الإعلام العالمي وأضوائه عن أهلنا في غزة ليتركهم, ونتركهم!, يموتون موتًا بطيئاً في الظلام حيث لا ضوء للإعلام ولا نور للمسلمين موجه على جرحهم العميق الذي مازال ينزف!.
لقد ارتبط نورنا الذي نرى به حدثًا مأساويًا مثل محرقة غزة بضوء الإعلام ووهجه وكأننا لسنا بمالكينَ نورًا ذاتيًا نستطيع أن نستمر به على درب الحق والحقيقة, درب التكافل مع باقي جسدنا والذب عنه ومداواته حتى يبرأ.

يا حسرةً على "أمةٍ" لا تستحق كلمة "أمة". يا حسرة على "أمةٍ" مفككة الأوصال تكاد تحتضر ولا تتألم! لأنها فقدت الإحساس الداخلي الذي يصل أعضاءَ جسدِها ببعض ليشعر كلُ عضو بأخيه في صحته ومرضه, في برئِهِ وجرحهِ!

كيف الخلاص من ثقافة وسلوك الفقاعة؟
1- تقوية شعور الأخوة في الله ونبذ التفرق القومي النتن.
2- الاهتمام الحقيقي المبني على العقل أولًا والعاطفة الإيجابية الحاضة على العمل ثانيًا.
3- تبني ثقافة قليل دائم خير من كثير منقطع.
4- استقلال الفكر وعدم الاعتماد الكلي على مصدر إعلامي وحيد بل الواجب هو استمرار المتابعة من مصادر معلوماتية شتى وذلك لسبر غور الحقيقة.
5- عدم الاستجابة للمحاولات الدؤوبة لتشكيل عقول المسلمين كما يريد أعداؤهم وذلك بعرض كل ما يجدونه في طريقهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم ونور عقلهم الذي اقتبسوه من كونهم مسلمين, فإن كان موافقًا فمرحبًا وإن كان مخالفًا فلنلقهِ خلف ظهورنا.
6- كتابة قائمة بقضايا الأمة ومعرفة كل شئ عنها باستمرار كواجب إسلامي, ثم العمل على التفاعل الحقيقي معها كفرض إسلامي.
7- السعي الدائم لإعادة وحدة المسلمين وإقامة دولتهم من جديد حتى تلتئم أوصال جسد أمتهم التى كادت أن تموت لولا قدر الله بعدم فناء الإسلام مهما كاد له أعداؤه وتخاذل عنه أبناؤه!

والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

الجمعة، 4 سبتمبر 2009

الإسلام المُفتَرَى عليه

السلام عليكم

أ- مصادر الافتراء

قد يوهم عنوان المقال أن مصادر الافتراء هي في المقام الأول غير المسلمين, ولكن الإنصاف غير ذلك في أغلب الأحوال, فإذا حكمنا على مصادر الافتراء من وجهة نظر حالية عصرية نجد أن المسئول الأول عن هذا الافتراء هو عامة المسلمين, والمسئول الثاني هو متدينو المسلمين ودعاة الإسلام, والمسئول الثالث مرتبةً بالرغم من أنه الأول تاريخياً هو تشويه غالب المستشرقين لحقيقة الإسلام مع معرفتهم بها.

أولاً: اسهام عامة المسلمين في خلق هذا الافتراء

1- ادعاء عوام المسلمين الغير مقصود بأنهم مسلمون حقاً مع بعدهم الشاسع عن الإسلام الحقيقي. فتجد روح التدين موجودة لدى معظم المسلمين ولكنه تدين زائف هزلي غير جدي.

2- اعتقاد الغرب أن وصف المسلمين أنفسَهم بالتدين كفيل بأن يصدقوا أنهم يتبعون دينهم حقاً, وذلك لأن غالب الغرب تعود على الجدية فلا يقول فرد منهم أنه متبع لمذهب إلا أن يكون متبعه حقاً.

3- تخلف المسلمين في كافة الميادين الأخلاقي منها والعلمي المادي.

4- ربط الغرب بين الأفكار المُغذية للعالم الإسلامي (الإسلام في نظرهم!) وبين التخلف الحضاري الذي يغوص فيه المسلمون وذلك لاعتياد الغرب على طريقة التفكير البرجماتية (أن كل فكرة لا تكون ذات قيمة إن لم يكون لها أثر ملموس).

5- نتيجة لصد المسلمين غيرَهم عن طريق الإسلام بسمتهم ودعايتهم السيئة للإسلام نجد نفور غير المسلمين من اتباع الإسلام بالرغم من أنهم يسعون وراء أديان جديدة تشبع نهمهم الروحي بعد أن غرقوا في بحر المادة الآسن, فتجدهم يتبعون ديانات وضعية مثل البوذية.

ثانياً: إسهام متديني المسلمين ودعاة الإسلام في الافتراء
وذلك عن طريق:

1-ترتب على أثر المستشرقين (البند الثالث) ردة فعل عكسية إصلاحية في العالم الإسلامي, ونتيجة لمحاولة الإصلاحيين البعد تماماً عن الاستشراق وتلويثه لمصادر الإسلام فقد كانت ردة الفعل بأن عاد المسلمون ليأخذوا من مجتهدي الأمة القدامى لضمان عدم تلوث معرفتهم الجديدة بالإسلام بالسم الاستشراقي.

2- كان نتيجة لهذه الحركات المرتبكة إلى حد كبير هو محاولة تطبيق الاجتهاد القديم على عصرنا الحالي بدون تجديد , وذلك التجديد الذي كان ينبغي أن يحدث هو الرجوع للقرءان والسنة اللذان يصلحان لكل المكان والزمان, وعليه فقد نشأ نوع من التجميد لفهم النصوص الإسلامية الأصيلة عند نقطة معينة في الماضي وتوقف الاجتهاد في المسائل المعاصرة.

3- تم اختصار الإسلام إلى العبادات والعقائد, بتركيز على علم التوحيد الذي يدافع عن قضايا تعرضت لها فلسفات اليونانيين قديماً وترك ما يهدد عقيدة المسلمين اليوم دون جبهة دفاع قوية, وضعف فقه المعاملات والاقتصاد والسياسة وما إلى ذلك من فروع الفقه التي كانت تستحق الاهتمام للحفاظ على الإسلام كدين عالمي المكان والزمان.

4- ردة فعل أخرى لعالم التجميد الذي خضع له فهم المسلمين للإسلام بحركات أخرى تحررية علمانية اتخذت من توقف الاجتهاد تكئة في مهاجمة الإسلام أنه لا يصلح كدين شامل لكل نواحي الحياة.

5- ظهرت ردة فعل أخرى للانتكاسة العلمانية بمحاولة احياء الاجتهاد والتركيز على الأخذ من معين الإسلام الأصيل من القرءان والسنة مع عدم إهمال التراث الإسلامي.

6- توالت ردود الأفعال التسلسلية والمتوازية في شتى بقاع العالم الإسلامي إلى أن أدى ذلك إلى ظهور جماعات عدة في العالم الإسلامي, كلٌ يريد الاستئثار بالإسلام الحقيقي لنفسه مع تخطيئ الآخرين, فظهرت ثقافة "الفرقة الناجية" (لفظ "كلها في النار إلا واحدة", في حديث تفرق المسلمين إلى بضع وسبعين شعبة, عليه اختلاف بين علماء الحديث في ثبوته), فكلٌ يدعي انتمائه لهذه الفرقه.
كانت النتيجة هي التناحر الداخلي في العالم الإسلامي وظهور التكفير والتفسيق من الجماعات بعضها لبعض. وكاد ذلك أن يكون سبباً أو تكئة لاتهام غير المسلمين الإسلامَ أنه طالما اختلف المسلمون أنفسهم على ماهية الإسلام الحقيقي فإن الإسلام الحقيقي لا وجود له.

7- استقر الأمر على تكوين جماعات تؤثر العبادات والعقائد على المعاملات وجماعات تؤثر المعاملات على العبادات والعقائد و جماعات تتخذ من العنف منهجاً لها لنشر الإسلام بدلاً من أن تقصره فقط على صد العدوان عنه , وتبقت القلة القليلة هم من نجحوا في التفكير في الإسلام كدين حياة, دين دنيا وآخرة, دين روح وجسد, دين أصالة تنضح بالمعاصرة ومعاصرة تستمد جذورها وقوتها من الأصالة.

8- رجحت كفة جماعات ايثار العبادات والعقائد (بالتركيز على مواجهة قضايا وشبهات بليت وظهر بدل منها تهديدات عقائدية معاصرة) وأثر ذلك كثيراً على الدعوة داخل بلاد المسلمين وخارجها فأحس الكثير من المدعويين الغربيين لدين الإسلام أنهم بصدد دين يجلب لهم الراحة النفسية, بالتركيز على الروحانيات, في مقابل تخليهم عن حياتهم المعاصرة بما فيها من تقدم وتكنولوجيا وتحريم كثير من عاداتهم بل ومهنهم.

9- صد ذلك الكثير من الغرب عن الدخول تحت مظلة الإسلام ولكنه لم يمنع من اعتناق الإسلام بالرغم من سوء عرض دعاة المسلمين لبضاعتهم على الغرب الغير مسلم, وهذا دليل على القوة الفائقة للإسلام, فبالرغم على كل ما بلي به من تشويه لمعالمه الأصيلة إلا أن مازال هو الدين الأكثر انتشاراً.

ثالثاً: إسهام المستشرقين من غير المسلمين في الإفتراء على الإسلام

1- بدأ الاستشراق كاستجابةٍ لوصية لويس التاسع عشر بعد هزيمية الصليبيين المنكرة على ايدي المسلمين, يوم أن كان المسلمون أقرب كثيراً للإسلام الحق منهم الآن, وقد كانت وصية لويس التاسع ألا يهاجموا الإسلام من الخارج بهيئة واضحة ومباشرة لأنهم بذلك يقوون شوكة المسلمين ويستفزونهم للدفاع عن دينهم, وإنما ما ينبغي هو أن يهاجموه من الداخل بتحريف تأويل نصوص الإسلام وتقوية النزاع الداخلي بين طوائفه وتشجيع التفرق عِوضاً عن التكامل بين صفوف المسلمين.

2-عظم المستشرقون في نفوس المسلمين الروح الاستسلامية وروح الخضوع لولي الأمر وإن كان فاسقاً وأماتوا فيهم روح الجهاد بدأً من جهاد النفس وانتهاءاً بالجهاد بالنفس.

3- كان ثمرة الاستشراق عظيمة الخبث حيث أنهم هاجموا الإسلام من داخله في الوقت الذي نجحوا في إقناع الغرب بالنظر إلى الدين الإسلامي بمنظور الاستشراق, وساعد في هذا الإقناع تخلفُ المسلمين المتزايد حيث فقد دعاة الإسلام مصداقيتهم واكتسب المستشرقون مصداقية مزيفة بدعوى أنهم منصفون لأنهم موضوعيون ولا يفرقون بين الإسلام وغيره في دراساتهم, بيد أن غالبهم كان ومازال يضمر العداء للإسلام, العداء الذي توارثوه من عهد الهزيمة المنكرة على يد المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي في حطين.

4- ساعد الاستعمار الغربي الحديث لبلاد المسلمين المستشرقين في هدفهم بعد أن ساعده المستشرقون في عودة الهيمنة على دول الإسلام من جديد.

5- نهب الاستعمار الثروة الفكرية قبل الثروة المادية للمسلمين واقنعوا ضِعاف النفوس منهم بأن الحضارة الحقيقية تكمن في التحرر من قيود الدين وضربوا بالنوذج العلماني الغربي مثلاً على هذا.

6- كانت نتيجة الاستعمار الفكري هو ترعرع نابهي المسلمين في كنف الجامعات الغربية ونهلهم من دراسة نمط الغرب في الحياة كبديل عن النمط الإسلامي, وذلك نتيجة الانبهار والشعور بالدونية, بدلاً من الاكتفاء بما ينقص المسلمين من علوم مادية وحسب. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه إلى فقدان الثقة في المصادر الإسلامية لدراسة الإسلام!! والأخذ عِوضاً عنها بالمصادر الاستشراقية في دراسته, فنشأت أجيال من المسلمين يعرفون عن الإسلام ما يود أعداؤه تعريفَهم إياه وإن كان افتراءاً وكذباً, وذلك داخل بلاد المسلمين وخارجها.

7- أوهم الاستعمار الغربي الشعوب الإسلامية بالاستقلال عن أراضيهم وذلك بعد أن زرع فيهم عملاءَه كحكام لبلادهم ووضع آليات هدمية لمحاولات الإصلاح بحيث أن تضمنُ الفئةُ الفاسدةُ مرتبة الصدارة في الحكم جيلاً بعد جيل ضامنين للاستعمار وجوده الفعلي متخفٍ في زي المسلمين بدلاً من وجوده الظاهر المستفز لنابهي المسلمين وذلك لاستمرار هيمنة الاستعمار على العقول والثروات المادية أثراً بدون عين بعد أن كان أثراً مع عين.

8- كانت نتيجة الاستعمار الخفي هو تربية المسلمين على مناهج إسلامية زائفة وشحن الإعلام بالإسلام الاستسلامي وتشجيع الطرق الصوفية وتشجيع انقسام المسلمين وعودة العصبية الجاهلية, وتأصيل التزييف إلى أن وصل لمفاهيم أساسية مثل التوحيد والولاء والبراء والجهاد وتقويم ولي الأمر وصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان, فشوهها إن لم يكن محاها بالكلية.

ب- الإسلام, ما هو؟
الإسلام هو دين الله الذي أرسل به رسله للناس عبر العصور والأمصار بإصدارات مختلفة تناسب كل عصر ومصر, تتفق في عقائدها وتختلف في بعض شرائعها حتى أرسل الله الرسالة الخاتمة إلى الناس كافة وإلى العصور كافة إلى يوم القيامة مع خاتم المرسلين والنبيين محمد صلى الله عليه وسلم متمثلةً في كتاب الله القرءان الكريم الذي شرحه وطبقه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بسنته القولي منها والعملي.
والإسلام هو الاستسلام التام لله وحده لا شريك له, شعورياً بالخشوع لله واستشعار الخضوع والذل له والإيمان القلبي بما أنزل في كتابه وعلى لسان رسوله ورجاء رضاه وجنته والخشية من غضبه وعذابه, وعملياً باتباع أوامره والانتهاء عن نواهيه. وبذلك فهو يقوم على إيمان بالقلب وعمل بالجوارح ودعوة إلى الله وصبر على تبعات كون المسلم مستمسكاً بدينه (انظر سورة العصر: القرءان الكريم). لا يقوم الإسلام صحيحاً إلا بهؤلاء جميعاً, إن نقص أحدهم أو تشوه, تشوه الإسلام وحاد عن حقيقته.

وحقيقة الإسلام تُستمدُ من نصوصه والتي أراد الله تعالى في كثير منها ألا تتفق العقول جميعاً على فهم واحد لها, ولو أراد الله لهذه النصوص أن تُعطى معنىً واحداً لما أعجزه ذلك عز وجل.
وينبني على هذا الفهم البحث عن علة تنزيل الله نصوصاً يتعدد فهمها, ويسهل فهم هذه العلة إذا نُظر للإسلام كدين عالمي الزمان والمكان, فإن لم تتعدد الأوجه الصحيحة لفهم نصوصه لما غطى الإسلام الحق طبائع البشر أجمعين وبيئاتهم من نزول الإسلام إلى قيام الساعة, وعليه فإنه ينبغي على أهل الإسلام أن يفهموا هذه الطبيعة فيه ويقدروا ميزتها بدلاً من أن يصروا أن للمعادلة الإسلامية حلاً واحداً ويتناحروا ويتصارعوا على صحة هذا الفهم أو ذاك. ويترتب أيضاً على فهم هذه الطبيعة الكامنة في أصل الإسلام أن يتكامل المسلمون ويوظفوا المعاني المتعددة لنصوصه في صالح المسلمين والدعوة الإسلامية وليس ضدهما.
فإن فعلوا ذلك تقووا ببعضهم البعض كشعيرات الحبل المتين التي تتعدد اتجهاتها وتدور حول بعضها البعض في مسارات متلاحمة مع الحفاظ على الاتجاه الواحد لهذا الحبل المتين نحو رضا الله وجنته.
وتفكر فيما لو كانت شعيرات الحبل متوازية, لو كان هذا لانفرط الحبل, بل تفكر لو كانت شعيرات الحبل متشابكة ولكن كل شعيرة تعتقد أنها وحدها التي على صواب فتنحر في جيرانها ذوي الاتجاهات المختلفة فيتقطع الحبل ويتهرأ وينتهي.


جـ-ضحد الافتراء, كيف؟
لا يمكن رجوع المسلمين إلى قوتهم وضحد الافتراءات على الإسلام إلا بالفهم الصحيح للإسلام وأصوله والإيمان السليم كماً وكيفاً واللذان يقتضيان التعاون بين المسلمين ونبذ التفرق والتناحر, التعاون على رضا الله سبحانه وظهور دين الله من جديد على ما سواه من ملل ونحل باطلة. ويقتضيان أيضاً تعلم فقه انكار المنكر بأنه لا إنكار على مُخْتَلَفٍ فيه اختلافاً سائغاً تبرره اللغة العربية السليمة واسباب النزول للآيات مع المواقف المحيطة بنصوص وأفعال السنة النبوية.


والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم