الجمعة، 27 فبراير 2009

موقف الإسلام من التقدم العلمي

السلام عليكم

التقدم العلمي بين الوسيلة والغاية
التقدم العلمي كغاية:
إن التقدم العلمي إذا أصبح غاية في ذاته فقد تحول إلى شهوة عقلية لايتميز بها الإنسان عن الحيوان إلا في نوع الشهوة, أما كونها شهوة يتبعها بدون هدف فقد تطابق فيها مع الحيوان ويستحق الشخص بحق في هذه الحالة أن يُطلق عليه حيوان ذكي وليس إنساناً.

التقدم العلمي كوسيلة:

ينقسم هذا النوع إلى فرعين:

1- التقدم العلمي كوسيلة لبلوغ هدف دنيوي بحت
وهو السائد في العالم الآن ويختلف الهدف الدنيوي ما بين فرضٍ للقوة لسرقة ثروات البلاد لهدف بلوغ الرفاهية التي ليس لها حدود وبين استخدام التقدم العلمي في المتعة والرفاهية إلى غير حدود فيرتكس الإنسان بذلك إلى منزلة الأنعام بل أضل لأنه استغل عقله في غير مراد الله من استخدامه لعقله.
قال الله تعالى في سورة التين
"لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ"
صدق الله العظيم

وواضح هنا أن التقويم الذي هو الأحسن في الإنسان هو التقويم العقلي وذلك بعبادة الله حق عبادته وتحقيق مراده من الخلق وإلا فإن الإنسان يصبح في أخفض درجة يُمكن تخيلها.

ومما يزيد من خطر هذا النوع من التقدم انخداع الكثير من المؤمنين به وتوهمهم أن تخلفنا العلمي الحالي يكمن في عدم اللحاق بغير المؤمنين في هذا المجال على طريقتهم سواءاً في نوعية العلم واستخدام العلم. إنهم لم يفقهوا التغاير والتباين بين العقل والذكاء, فشتان بين حيوان ذكي يستخدم ذكاءه لإرضاء شهواته وبين إنسان ذكي عاقل يُرشِد العلم لينصب في طريق خدمة الحق.
قال الله تعالى في سورة الفرقان آية 44 هذه الآية الكريمة ليفرق لنا بين الصنفين
"أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا"
صدق الله العظيم

2- التقدم العلمي كوسيلة لبلوغ أهداف إلاهية
وهو ما يُعد فرضاً على المسلمين الآن أن يتقدموا علمياً لا لتحقيق شهوة عقلية أو شهوة مادية مدعومة بتقدم علمي (وإن كان مباحاً أن يستخدم المسلم ذلك في الشهوات الحلال وإن كان لا ينبغي أن يصبح هدفاً لذاته ولا أن يبالغ فيه) ....
قال الله تعالى في سورة الأنعام آية 162و 163
"قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ"
صدق الله العظيم

وإنما يكون التقدم العلمي المُناط به المسلمون اليوم هو لتحقيق أهداف أساسية تخدم هدفاً كبيراً وهو الخلافة في الأرض

قال الله تعالى في سورة البقرة آية 30 و 31

"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"

ويتضح من الآيتين الكريمتين أن العلم الذي علمه الله تعالى لآدم والذي ينبغي علينا السير على دربه هو علمٌ ليس هدفه الإفساد في الأرض وسفك الدماء ولكن هدفَه هو تحقيق الخلافة في الأرض وهذا يتحقق بتحقيق أهداف أساسية.

وهذه الأهداف الأساسية هي:

الهدف الأول: هو الاستقلال اقتصادياً ومعيشياً بالسعي والاجتهاد واستخدام العلم الذي علمنا إياه ربُنا في هذا السبيل.
قال الله تعالى في سورة المُلك آية 15
"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"
صدق الله العظيم
وقد نبهنا ربُنا في هذه الآية إلى أنه جعل لنا الأرض ذلولاً وذلك بجعلها ممهدة لقيام الحضارة حيث جعل العلمَ دانيةً قطوفُه سهلاً جنيُه على من اجتهد وكدح في تحليل ما يدركه عندما يمشي في مناكب الأرض ويفحص بل يتفحص الكون من حولنه. وأخيراً ينبهنا ربُنا تعالى إلى أن هذا السعي والتقدم هو في سبيل الآخرة الباقية وليست الدنيا الفانية (وإليه النُشُور).

الهدف الثاني: تقوية شوكة المسلمين بسلاح العصر وهو العلم حتى يحموا المسلمين والإسلام من خطر أعدائه.
يقول الله تعالى في سورة الأنفال آية 60
"وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"
صدق الله العظيم

الهدف الثالث: الدعوة إلى الله واستخدام العلم في نشر دين الله تعالى وتعميم الخير على العالم أجمع ليعيش في رغد الدنيا والآخرة. والدعوة إلى الحق في زمننا هذا يلزمُها اتقان تقنية الاتصالات والالكترونيات حتى يتسنى للمسلمين الوصول لأذهان غيرهم عبر وسائل إعلام المسلمين وأقمارهم الاصطناعية.
قال الله تعالى في سورة فُصلت آية 33
" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"
صدق الله العظيم

الهدف الرابع: هو التفكر في خلق الله تعالى من خلال العلم والتعلم, وهذا التفكر الذي يُعد عبادة من أجل العبادات تزيد من تبتل العبد لربه وتعظيمه وخشوعه له.
قال الله تعالى في سورة العنكبوت آية 20
"قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "
صدق الله العظيم

وفي الآية الحث على التعلم من المشاهدة والملاحظة في أرجاء الكون ليعرف الإنسان عظمة ربه القدير ويستيقن أن إعادة نشأة الكون في الآخرة لهو هين سهل على الله العليم ذي القدرة المتين.

الخلاصة:
أنه ينبغي على المسلمين أن يتعلموا العلوم المادية والتجريبية من أي ما كان ولكن ينبغي عليهم أن يتميزوا في نوعية العلم فلا يتعلموا إلا علماً نافعاً لهم ولدينهم ويتميزوا أيضاً في الهدف من التعلم فيكون التعلم والعلم هما وسيلتان لغاية سامية وهي خلافة الله في الأرض.
والله أعلم

تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

ليست هناك تعليقات: