السلام عليكم
تقدمةأتدرون ما نتحدث بصصده الآن؟! إنها النفس اللوامة !! .... أعلم أنكم كنتم تعلمون ! لأن المقالَ اقتبسَ اسمَها لعنوانِه منها قبل سؤالي ! ولكن ليس هذا مقصدي .... لا لا .... ليس هذا, أقصد التفكر مليًا وليس مجرد العلم, إنها النفس اللوامة, تلك التي أقسم بها ربنا في كتابه العزيز.
قال تعالى في سورة القيامة
"لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ"
صدق الله العظيم
أليس بأمرٍ يدعو للتفكر ؟ إنها كيان استحق قسم رب العالمين بها!! ...
حوار مع نفس لوامة
ياله من شأن عظيم لك أيتها النفس اللوامة أن أقسم بكِ ربُك دونًا عن أنواع النفوس !!
ولكن هلا أثقلتُ عليكِ بسؤال؟ ... لمَ استحققتي قسم إلهِ الكون وبارئه أيتها النفس اللوامة؟!
...............................
ماذا؟! ما أخبرتنيه به مفهومٌ مركبٌ أيما تركيب ... إن لكِ من المعاني والمباني, من الظواهر والبواطن, ما تنوء به العصبة أولو القوة ... لكن ... هلا منحتيني فرصةً أن أكرر ما استوعبته منك؟ ... حسنًا ...
ما استوعبته من خطابك
إنكِ نفسٌ عجيبة, بها من المتناقضاتِ الكثيرُ الغامض. إنك جُبِلْتِ على اتهام صاحبك دومٍا حتى تحولتي من لائمة إلى لوامة ! ولكن أمرَك عجيب أنت وصاحبك, لا أدرى لماذا أذكركما اثنين مع احساسي بتوحدكما.
إنكِ تلومينَ الصالحَ لأقلِ ذنبٍ يقترفه فيسارعَ بتصحيح مساره كي تصرفي عن وجهه شعاعَ وهجكِ المُذهبَ لنور العيون. إنه يخشى حدة هذا الشعاع المُحمل بسياط اللوم على عصيانه ربَ العالمين, فيتوبَ من قريب ... يالها من مهمةٍ عظيمة هذه التي تضطلعينَ بها في توبته, توبةِ صاحبِك, توبة نفسك أنتِ أيتها النفس اللوامة!, مهمةٍ استحققتي بها قسمَ ربِك بِكِ.
ولكني أحسستُ بدورٍ آخرَ عجيب, كثيرًا ما تتواطئين فيه أنت وصاحبُك عليكما, فأنتما الجاني والضحية معًا! إن صاحبَكِ من فرطِ خوفِه من لهب شعاعكِ المحرق لأنسجة العيون, كأنه أتى بمرآة فعكسَ طاقتَك ليحولَها إلى قدر هائل من الخداع!, خداعِك في دورك وخداعِ صاحبك في استبصارِ حقيقتِك, حقيقةِ نفسِه. إني أرى صاحبك وقد استعمل طاقتك في لومِ كل نفسٍ عداكِ !! إنك تنعكسين على مرآة خداعه لتتوجهي للناسِ من حولك, هؤلاء الناس, هم نفسهم الذين ظُلِموا منك أيما ظلم, الآن توجهين لهَم لومك على ما صدرَ منكِ منْ ظلمٍ نحوَهم !! الآنَ وفي خفة ماكرةٍ سُوءًا, تقلبينَ الأوضاع!, فتجلدينهم, هُمُ البريئين من ظلمِهم لكِ ... بل الضحايا لظلمِك لهم, بسياطك المُلهبةِ المُلتهبةِ عِقابًا على تسببهِم في ظلمِك ,المزعومِ منكِ, بادعائِهم ظلمَكِ لهم!, فتجبرينهم بشعاعِك الفتاك على إعترافِهم بظلمهِم لكِ, بينما تحاولين كادةً جاهدةً إقناعَ صاحبِك بهذهِ الفِرْيَةِ إلى أن تُفلحِي في تصديقِه إياها.
يالكِ من نفسٍ غريبةٍ عجيبةٍ متناقضةٍ تناقضًا تحملُه طياتُك فيكِ, فأنتِ لوامةٌ دائمًا, إما لنفسِك ولصاحبكِ, فُتُفْلِحَا معًا, وإما لغيرِكِ دفاعًا عن صاحبِك من سياطِ لومِكِ, فتظلمي غيرَكِ بخداعِك لهم, ثم لومِكِ إياهم فداءاً لكِ, وتهلكا أنتِ وصاحبُك معاً وبئست هَلَكَة.
مواجهة
أيتها النفس اللوامة ... هل أفلحت في فهمكِ؟
................
ماذا؟! أشم رائحة لهيب لومك على كشف بعض حقائق لومِك!!
... يالك من نفس لوامة!!
ليس لي ردٌ عليكِ إلا ما قاله ربُ العزة
"أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ"
صدق الله العظيم
والله أعلم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم
هناك 3 تعليقات:
تأمل وتحليل رائعين .. سلم فكرك أيها الراقي ..
وإن من نعم الله-عز وجل- على العبد أن يكون له واعظ من نفسه يزجره،إذا قصر في طاعة الله-عز وجل-أو تجاوز حده بمعصيته، إن النفس اللوامة التي تلوم صاحبها على تقصيره لهي من نعم الله - تبارك وتعالى – على العبد..
النفس اللوامة المتيقظة التقية الخائفة المتوجسة التي تحاسب نفسها، وتتلفت حولها، وتتبين حقيقة هواها، وتحذر خداع ذاتها لهي النفس الكريمة على الله، حتى ليذكرها مع يوم القيامة (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللومة)1 ثم هي الصورة المقابلة للنفس الفاجرة..2
قال ابن كثير: وأما النفس اللوامة فقال قرة بن خالد عن الحسن البصري في هذه الآية: إن المؤمن والله ما نراه إلا يلوم نفسه. ما أردت بكلمتي، ما أردت بأكلتي، ما أردت بحديث نفسي، وإن الفاجر يمضي قدماً قدماً ما يعاتب نفسه.
وقال جويبر: بلغنا عن الحسن أنه قال في قوله تعالى: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) قال: ليس أحد من أهل السماوات والأرضين إلا يلوم نفسه يوم القيامة، وعن عكرمة قال: يلوم على الخير والشر لو فعلت كذا وكذا.
وقال ابن عباس: هي النفس اللؤوم وقال أيضاً: اللوامة المذمومة، وقال قتادة: اللوامة: الفاجرة. قال ابن كثير: قال ابن جرير: وكل هذه الأقوال متقاربة بالمعنى والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر وتندم على ما فات.3
وقال القرطبي: ومعنى النفس اللوامة: أي بنفس المؤمن الذي لا تراه إلا يلوم نفسه يقول: ما أردت بكذا؟ فلا تراه إلا وهو يعاتب نفسه. وقال مقاتل: هي نفس الكافر يلوم نفسه ويتحسر في الآخرة على ما فرط في جنب الله. وقال الفراء: ليس من نفس محسنة أو مسيئة إلا وهي تلوم نفسها؛ فالمحسن يلوم نفسه أن لو كان ازداد إحساناً، والمسيء يلوم نفسه ألا يكون ارعوى عن إساءته.4
وقال الثعالبي في تفسيره: وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة ولا بالأمارة بالسوء فإنها لوامة في الطرفين، مرة تلوم على ترك الطاعة، ومرة تلوم على فوات ما تشتهي، فإذا اطمأنت خلصت وصفت.5
أيها الأحبة: إن النفس اللوامة: هي التي تنورت بنور القلب، قدر ما تنبهت به عن سِنَة الغفلة، وكلما صدرت عنها سيئة بحكم جبلتها أخذت تلوم نفسها.6
وقال الغزالي وهو يصف ما ينبغي أن تكون عليه النفس بعد أداء العمل، قال: محاسبتها - أي لومها- على طاعة قصرت فيها من حق الله –عز وجل- فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي، وحق الله - تعالى- في الطاعة ستة أمور وهي: الإخلاص في العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم – فيه، وحصول المراقبة فيه،وشهود منة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله، فيحاسب نفسه ويلومها: هل وفى هذه المقامات حقها، وهل أتى بها في هذه الطاعة، وكذلك محاسبة نفسه ولومها: على كل عمل كان تركه خيراً من فعله.
وكذلك عليه أن يحاسب نفسه ويلومها:على أمر مباح، أو معتاد: لِمَ فعله؟ وهل أراد به الله والدار والآخرة؟ فيكون رابحاً، أو أراد به الدنيا وعاجلها، فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به.7
وهذا نموذج رائع جداً للوم النفس وعتابها من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – حنظلة الأسيدي - رضي الله عنه – وكان من كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،قال: لقيني أبوبكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة. قال:سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً.. قال أبوبكر: فو الله، إنا لنلقى مثل هذا؛ فانطلقت أنا وأبوبكر حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله نكون عندك. تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات)8. فحنظله حاسب نفسه ولامها حتى قال عن نفسه (نافق حنظلة).
والنفس قد تكون لوامة أو أمارة أو مطمئنة كما ذكر ذلك ابن القيم حيث قال: والنفس قد تكون تارة أمارة، وتارة لوامة، وتارة مطمئنة، بل في اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا وهذا، والحكم للغالب عليها من أحوالها، وكونها مطمئنة وصف مدح لها. وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها. وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم، بحسب ما تلوم عليه.
وكان الأحنف بن قيس يجيء إلى المصباح، فيضع أصبعه فيه، ثم يقول: حِس يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟
وقال مالك بن دينار: رحم الله عبداً قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله - عز وجل – فكان لها قائداً..
وقال ميمون بن مهران: لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه. ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك.9
اللهم اجعلنا ممن يحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا، ويزنون أعمالهم قبل أن توزن عليهم، واجعلنا من المتقين المصطفين الأخيار.
والحمد لله رب العالمين،،،
مقالة رائعة ، جزاكم الله كل خير.
إرسال تعليق