الأحد، 18 مارس 2012

حوار حول السبب والنتيجة بين الفلسفة والدين والعلم (1)


س1- هل تعتقد في موضوع السبب والنتيجة بأي رؤية رؤية هيوم أم؟
وما علاقتها بالمفهوم الديني عن كون المسبب الحقيقي للاشياء هو الله وأن هذه الاسباب المؤدية لنتائج معينة لو تحققت ولم تتحقق مشيئة الله لن يتحقق الشئ حتي لو اقترن بأسبابه؟

 -------------------

جـ1- نعم أعتقد في رؤية أبي حامد الغزالي ومن بعده هيوم وهو أن السببية هي مجرد وهم نتيجة للتكرار, انما لا توجد علاقة "حقيقية "سببية" تحتم ان يكون السبب سببا والنتيجة نتيجة, بل ممكن منطقيا انفصالهما وأن يحدث ما نسميه سببا بدون حدوث النتيجة أو تحدث النتيجة بدون حدوث سبب يسبقها
عندما تندمج الفلسفة الإسلامية هنا فإن السبب الحقيقي لأي شيئ تكون مشيئة الله ولذلك فإنه من الخطأ أن نقول أن العلم يقدم سبب سقوط التفاحة على الأرض مثلا, لا فالسبب في السقوط هي مشيئة الله وإنما العلم يقدم فقط وصف لكيفية سقوط التفاحة على الأرض, وهذا هو ما قرره نيوتن في مذكراته اذ انه أقر أن قانونه للجذب العام هو بالكاد وصف للظاهرة وليس تعليلا لها
وعليه فإن ما نسميها النتيجة لن تتحقق الا بمشيئة الله ولكن هنا تنبثق قضية التسخير جلية, فإن الله قد سخر لنا الكون على المستوى الماكروسكوبي (الكبير وهي ضد الميكروسكوبي) بالتكرار لنفس الظواهر بنفس الطريقة لكي نستطيع أن نعيش ونستخدم الكون من حولنا, أما على المستوى الميكروسكوبي فانه مثلا لو ارتطم الكترون بحاجز جهدي له جهد كموني اعلى من طاقة حركته فإنه حسب النظرة الكلاسيكية (النظرة التي تظن أن العالمين الماكروسكوبي والميكروسكوبي يتصرفان بنفس درجة الحتمية في التكرار) لن يعبر, ولكن ميكانيكا الكم تقدم لنا الحقيقة وهي أن الالكترون اما ان يعبر او لا يعبر وقد نجد الكترون قد عبر الحاجز الجهدي والذي بعده في سيل الالكترونات لم يعبر!. هنا تتجلى مشيئة الله كسبب اصيل مباشر في العبور او عدمه لأنه لا يوجد ما يبرر عبور الكترون وعدم عبور آخر علميا, علما بأن الظروف واحدة والاكترونين متماثلان. كل ما يستطيع العلم تقديمه هنا هو احتمالية عبور الالكترون عبر الحاجز الجهدي التي تقل مثلا كلما ارتفع مستوى الحاجز الجهدي
  



 =================

س2 - ما هو رأيك بالكرامات والمعجزات وهل هي تخرق قوانين الطبيعة فعليا
ام لا؟
وما علاقتها بالسبب والنتيجة ؟

----------------

جـ2 - الآيات (المعجزات) هي أمارة يبعث الله رسوله بها كي يصدق الناس أنه من لدن الله. وتأتي في رأيي ليس - بالضرورة - عن طريق هدم قوانين الطبيعة ولكن عن طريق فك العلاقة التكرارية الظاهرية للكون الماكروسكوبي ليكون مشابها للكون الميكروسكوبي في لحظة ما.

 مثلا معروف أن النار تحرق ما يوضع بها, ولكن هل هذا الحريق بسبب النار فعليا؟ لا ... بل هو متكرر بكثرة (احتمالية عالية جدا) بعد اشتعال النار. أي أن احتمال حدوثه هو كبير جدا ليس إلا, ولو أراد الله ألا تحرق النار ما فيها لن يحدث كما في حالة آية (معجزة) عدم حرق النار لإبراهيم عليه السلام. وهنا لا تناقض مع قوانين الطبيعة لأن احتمال عدم الحرق ليس صفرا كما سيتضح من المثال الآتي:
نعود لمثال الالكترون مع الحاجز الجهدي. ان نفس المسألة تحدث في العالم الماكروسكوبي عندما نلقي بكرة على حائط, انها ترتد دائما, ولكننا لو استخدمنا معادلات مياكنيكا الكم سنفهم أن ارتدادها "دائما" هو ليس الا تجليا لانخفاض احتمال عبور الكرة من الحائط - دون ان تكسره - الى الغرفة المجاورة انخفاضا رهيبا.
حسنا ان العلم في هذا المثال يقول لنا شيئين
أ- ان احتمال عبور الكرة يكاد يكون صفرا
ب- انه لا يمكن على الإطلاق توقع اذا كانت الكرة ستعبر المرة القادمة من القائي لها على الحائط أم لا.

حسنا ... ان جاءني انسان الآن وقال لي انظر. ان الله قد أخبرني انني عندما ألقي الكرة المرة القادمة ستعبر الحائط وبالفعل قد عبرت, فإنه ينبغي حينئذ تصديق أن هذا العلم من لدن الله لأن العلم المادي البشري يقول لنا انه يستحيل على بشر ان يعرف هل ستعبر الكرة المرة القادمة أم لا! - وهذه هي المعجزة بمعناها الحديث حسب ميكانيكا الكم!,  وايضا يقول لنا العلم ان هذا الحدث غير "ممكن يقينًا" - وليس احتماليا - الا بارادة وعلم خارقين للعادة ... وهنا افرق بين خرق العادة وخرق القانون - وهذه هي الآية (المعجزة) بالنسبة لمن ارسل اليهم الرسل قبل اكتشاف فيزياء الكم ومعرفة عدم امكانية الجزم بنتيجة حدث منفرد كرمي الكرة على الحائط!

* يبقى تنويه هنا بالنسبة للآية (المعجزة) أن هذا التفسير لا يمنع منطقيا احتمالا آخرا وهو تبديل قوانين الكون - وليس سقوطها - بقوانين أخرى تحكم المعجزة بشكل مؤقت وهو عمل لا يستطيعه بالطبع الا الله لأنه هو من وضع قوانين الكون

بالنسبة للكرامات فلا اعتقد بها بمعناها المعروف وهي أنها مرتبطة بالصالحين ارتباط الآيات (المعجزات) بالأنبياء ولكنها من الناحية المنطقية - كحدث خارق للعادة - ممكنة ان اراد الله ذلك, مثلا كإنقاذ مكروب سقط به المبنى الذي يسكنه بعد أن دعا الله تعالى الذي قد قرر أنه يجيب دعاء المضطر إذا دعاه في كتابه الكريم

*تذكر ان موت الرجل بسقوط المبنى هو امر احتماله كبير جدا حسب العلم الحديث وليس امرا حتميا! , وتذكر ايضا انه ما من احد يعلم ان كان الرجل سيموت يقينا ام لا إلا الله الذي من الطبيعي جدا أن يعلم لأنه هو الذي شاء ألا يصاب الرجل بأذى!
  
 ======================

س3 - الكرامات او المعجزات
هل تكون في الدين الاسلامي فقط - كنصوص غير محرفة ومصدرها الهي؟
أم ان
المعجزات والكرامات تتحقق في كل الاعتقادات الدينية؟
وطبعا مع ملاحظة ما يتحقق من ادعاءات في كل أديان ومعتقدات العالم الشرقية والابراهيمية و... الخ من حدوث خوارق للعادات

---------------
جـ3- لو كنا نقصد بالدين الإسلامي هنا كل ما نزل من لدن الله - شريعة عيسى في زمن عيسى وشريعة موسى في زمن موسى وشريعة محمد في زمن محمد إلى قيام الساعة  - وهو تعريف الدين الإسلامي بمفهومه العام - فهذا قد ذكرناه

أما لو تحدثنا عن "الأديان" الإبراهيمية الآن والأديان الوضعية - وكلاهما لا يعتبر دينا اسلاميا - فهذا ايضا لا يستبعد فيه "الكرامات" - وليس المعجزات حيث انها تفقد معناها بدون تأييدها لرسول- ذلك أنه قد يكون الإنسان كافرا - اي يعلم انه على باطل ويجحد - فإنه داخل تحت عموم الآية "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء" - فالآية لم تخص المسلمين فقط وانما هي خاصة بكل خلق الله, فإنه كثيرا ما يئوب المضطر الى ربه ويزول جحوده - ولو مؤقتًا -  ان كان كافرا في شدة الأزمة وقمة الكرب


 والله أعلم

 سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

 اللهم لا تجعلني جسرًا يعبرُ الناسُ عليه إلى الجِنان ثم يُلقى بهِ في قعرِ النيران

 تنويه هام

 ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

هناك تعليق واحد:

مدونة قرآنيات يقول...

السلام عليكم..
مدونة رائعة .. بارك الله فيكم