والإسلام قدم لأتباعه سعادة الدنيا ومد هذه السعادة الى سعادة اعظم بكثير في الحياة الآخرة بدرجة لا تقارن وهذا قد ميز الإسلام عن غيره من الحضارات المادية حيث أن الإسلام جعل من سعادة اتباعه سعادةً ساميةً في النوع ممتدةً في الزمان امتداد الدار الآخرة وهو امتداد لا نهائي. بينما حصرت الحضارات المادية السعادة التي يوهم الإنسان نفسه بالوصول اليها في التقدم التكنولوجي في زمن محدود يتضاءل تضاءل الصفر بجانب السعادة التي يقدمها الإسلام لاتباعه
الأسباب على سبيل المثال لا الحصر
والذين امنوا وعملوا الصالحات اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون
وفي سورة آل عمران - آية 185
كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور
ومن يعمل من الصالحات من ذكر او انثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا
وفي سورة الأعراف آية 43
ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الانهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا ان تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون
ونجد هنا شيئاً جميلاً: نجد أن الإسلام جعل الهدف النهائي هدفاً سامياً يتسامى ويعلو عن مطالب الحيوان الغريزية وبهذا جعله انساناً حقاً ميز بينه وبين الحضارات المادية التي تتخذ من حب البقاء هدفاً نهائياً لها. فلقد حول الإسلام هذه الغريزة الحيوانية إلى حب البقاء في دار اكمل من الدار التي يعيش فيها ... حب البقاء الحقيقي ... البقاء لزمن لانهائي في جنة عرضها السماوات والأرض فياله من فرق في الأهداف يجعل المسلم فخوراً بدينه
أما المرجعية الشرعية فهي اتباع ما جاء في القرءان والسنة من عقائد وعبادات ومعاملات وغيرها من التعاليم والمعلومات التي تستقيم حياة الإنسان بها في الدنيا ويفوز بالجنة في الآخرة
وقد قال الله تعالى في سورة النساء - آية 59
يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا
وطاعة أولى الأمر واجبة فقط في عدم معصية الله تعالى ونلاحظ أن "اولي الأمر" لم يأت قبلها كلمة اطيعوا لأن طاعتهم غير مستقلة بذاتها أما طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فهي من طاعة الله تعالى لأنه لا يشرع من نفسه ولا ينطق عن الهوى انما يبين للناس دينهم بأمر ووحي من الله
قال تعالى في سورة النجم من آية 2 إلى آية 4
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى *وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إني قد خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما أبدا ما أخذتم بهما أو عملتم بهما : كتاب الله وسنتي ولم يتفرقا حتى يردا علي الحوض
الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: ابن حزم - المصدر: أصول الأحكام - الصفحة أو الرقم: 2/251
وينبغي هنا بالطبع ان نقارن بين مرجعية المسلمين ومرجعية غيرهم فمرجعية المسلمين هو كتاب من لدن مصمم الكون و خالقه العالم بمصلحته. هذا الكتاب محفوظ تفصيلاً يشهد على حفظه المنطق قبل التاريخ. وسنة نبوية محفوظة اجمالاً تم غربلتها بدقة من قبل علماء الحديث وعلماء الجرح والتعديل الذين أدوا عملاً عقلياً جباراً في استخراج الصحيح من السنة النبوية كي نتبعه. وهذين العنصرين ليسوا موجودين عند غير المسلمين
فليس مرجعهم مصدره مصمم الكون وخالقه وبالتالي فهو لم يأخذ في الاعتبار اشياء عديدة
ولا يوجد ضامن لحفظ مرجعهم من عبث ذوي المصلحة في تحريفه
أما المرجعية التجريبية فقد دلت عليه السنة بوضوح في موقف يستحق التأمل واستخراج النفيس من الحكم لمن كان له نظر ثاقب, وها هي القصة روتها لنا السنة الصحيحة
أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون . فقال " لو لم تفعلوا لصلح " قال فخرج شيصا . فمر بهم فقال " ما لنخلكم ؟ " قالوا : قلت كذا وكذا . قال :أنتم أعلم بأمر دنياكم
الراوي: أنس بن مالك - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2363
وهذا يدل على نصحه لهم باتباع الخبرة التجريبية في امور الدنيا
ولا يفوتنا تدبر الحكم المستخرجة من هذه القصة
أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مقدساً لدى المسلمين تقديس الألوهية التي يقدسها غيرهم لغير الله من البشر. فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد يصيب ويخطئ في أمور الدنيا لأنه بشر مثلنا
أنه
وبالتالي فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر مسلم وظيفته تبليغ رسالة الله الخاتمة للناس أجمعين وتطبيقها عملياً حتى يعلموا أنها قابلة للتطبيق وأنها هي المثالية الواقعية والواقعية المثالية .وعليه فإنه معصوم من معصية ربه غير معصوم من الخطأ البشري العادي أو النسيان وذلك بالطبع باستثناء نسيان ما يوحى اليه لأن الله يحفظ ذاكرته من هذا وذلك بحفظه القرءان الكريم
أن الخبرة البشرية في امور الدنيا التي سكت عنها الإسلام والتجربة والخطأ فيها تشكل مرجعية يقرها الإسلام بل ويشجع عليها ويأمر بها وهذا يعطى حرية واسعة جداً للإبداع في أمور الدنيا
قال تعالى في سورة الذاريات - آية 56
وقال في سورة نوح - آية 3
ومقتضيات هذه العبادة تشمل مايلي
يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون
وهنا ينزع الإسلام الأثرة من النفوس ويجعل حب الخير للناس (بأن يعتنقوا الإسلام) هو عمل عظيم يثاب عليه الإنسان ثواباً كبيرا
قال تعالى في سورة فصلت - آية 33
ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين
ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين
فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين
قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين
ومن المناسب في هذا المقام أن نقارن الفتوحات الاسلامية قديماً بالاحتلال الحديث من دولة قوية لدولة ضعيفة بحجة نشر مبادئ الدولة القوية وعلى سبيل المثال " الديمقراطية" (السبب الحقيقي بالطبع هو المال أوالاستعمار لأهداف صهيونية أو كلاهما) . أقول عندما نتأمل في هذا نجد عجبا: نجد أن الاحتلال الحديث باء بالفشل الذريع في نشر ثقافته في بضع سنين بينما كان الإسلام يُتقبل من لدن الناس بسهولة ويسر كسهولة دخول الهواء النقي في الرئتين وسريان الأكسجين الموجود فيه بعد ذلك في الدماء. بل ويصمد الإسلام في نفوس وعقول الأجيال المتعاقبة فوق الألف عام في بزخم غريب يدل على ان الإسلام هو دين الفطرة فعلاً وكأن له مستقبلات في الأرواح ما أن تجده حتى تتمسك به ويصير جزءا منها لا ينفصل عنها ويدل أيضاً أن الاحتلال الحديث يأتي بقيم ليست على اتفاق مع النفس البشرية بل على تنافر معها
ملحوظة هامة: لم يكن مبدأ الفتح الإسلامي هو احتلال الأرض والاستفادة من خيراتها بالنسبة للجنس العربي ولكنه كان الدعوة للإسلام أولاً وأخيراً والتخلية بين العباد ورب العباد. فلو أنه يوجد من أهل البلد المفتوح من يصلح للولاية عليه فليس للجنس العربي مصلحة في البقاء في هذا البلد. وهذا ما حدث بالفعل فقد كان الجيش العربي يفتح بلداً ثم يخرج بمعظمه لفتح بلد آخر وهكذا وذلك لأن الإسلام نزل أول ما نزل على العرب ولكنه ليس جنساً وإنما دين الناس أجمعين من عرب وعجم
قال رجل يا رسول الله إن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال هي في النار قال يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها قال هي في الجنة
وكان حسن خلق المسلمين التجار الذين يتعاملون مع غيرهم في البلاد البعيدة عن الجزيرة سبباً عظيما في دخول أفواجا من غير المسلمين في الإسلام لما أبهرهم الدرجة السامية التي عليها هؤلاء الرجال من حسن خلق وسماحة في البيع والشراء, فقد قال في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين ان يكن غنيا او فقيرا فالله اولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا وان تلووا او تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا
وقال في سورة المائدة آية 8
يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون
ويا قوم اوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين
وقال في سورة الإسراء - آية 35
واوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير واحسن تاويلا
والقسط ليس مع المسلمين وحدهم
قال تعالى في سورة الممتحنة - آية 8
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين
وتشهد على ذلك قصة طعمة بن أبيرق، الذي سرق درعا، وأودعها عند رجل يهودي، فلما وجد صاحب الدرع درعه، وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص عليه ما حدث، أنكر طعمة السرقة، وادعى أن اليهودي هو الذي سرقها، وجاء أقارب طعمة ليدافعوا عنه .. فأنزل الله تسع آيات من سورة النساء، بينت ما هو حق وما هو باطل في هذه القضية الملتبسة.
قال الله تعالى في الآيات من 5 إلى 13 من سورة النساء
إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا *وَاسْتَغْفِرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا *وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا *يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا *هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً *وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا *وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا *وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا *وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ*وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا
وقد دلت السنة ايضا في غير موضع على تحريم الظلم
ففي جزء من الحديث الذي رواه ابو ذر الغفاري رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال " يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا
الراوي: أبو ذر الغفاري - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2577
هذا ولم يكتف الإسلام بتحريم الظلم والحث على العدل بل وضع نظاماً للقصاص من الظالم لحق المظلوم
قال تعالى في سورة البقرة -آية 179
ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون
وهكذا نجد المسلمين الأوائل (ليس كلهم بالطبع ولكن جلهم) قد تشربوا هذه التعاليم السامية وطبقوها بإخلاص امتثالاً لأمر الله عز وجل فرضى عنهم الله تعالى وكافأهم في الدنيا بتقدمهم على سائر الأمم آنذاك وفي الآخرة بالجنة والرضوان كما وعدهم
هـ-نشر الفضيلة والنهي عن الرذيلة
وهذا سر خيرية الأمة فقد قال الله تعالى في سورة آل عمران -آية 110
كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو امن اهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون واكثرهم الفاسقون
وقد ذم غيرهم بعد النهي عن المنكر في
سورة المائدة - آية 79
كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون
واشترط الإسلام أن يكون الإنسان مصلحاً وليس صالحاً في نفسه فقط حتى يكون من المُتقبلين لدى الله عز وجل
قال تعالى في سورة هود - آية 117
وما كان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان
الراوي: - - خلاصة الدرجة: قد اتفق الناس على صحته - المحدث: الشوكاني - المصدر: الفتح الرباني - الصفحة أو الرقم: 12/6124
إن الحق لابد له من قوة تحميه والقوى التي تحمي الحق تختلف حسب الزمان والمكان ومن هذه القوى
أولاً: قوة الفكر
قد ورد الحث على الفكر والتفكر في مواضع عديدة من القرءان الكريم حتى صار الفكر فريضة اسلامية في نظر المسلم النابه. ونورد هنا بعض الآيات على سبيل المثال لا الحصر التي تحث على شحذ الفكر في علوم الكون العديدة
قال تعالى في سورة آل عمران -آية 191 مادحاً من يتفكر في الكون والعلوم الكونية والفيزيائية التي تدفع الإنسان لإجلال خالقه
الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار
وقال تعالى في سورة الرعد - آية 3
وهو الذي مد الارض وجعل فيها رواسي وانهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون
وقال تعالى في سورة الروم - آية 8
اولم يتفكروا في انفسهم ما خلق الله السماوات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمى وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون
ومن يدعي أن الإسلام ليس في وفاق مع الفكر والتفكر فأقول له: إنك لم تفهم الإسلام حقاً فالإسلام أعطى حرية الفكر إلى أقصى الحدود بل حث على التفكر كأثاث للدين المتين الراسخ في العقول والقلوب
ثانياً:قوة العلم
فالله تعالى قد علمنا من علمه وحثنا على التعلم ما حيينا
قال تعالى في سورة العلق
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
وذلك حتى نوقر ربنا ونخشاه لأنه لا يعرف قدر خالق الكون حق المعرفة إلا من يبحث في تصميم هذا الكون المبهر, حينئذ يقف مندهشاً عاجزاً عن اعطاء الخالق حقه من الإجلال والتعظيم. إنه كلما ازداد الإنسان علماً كلما ازداد علماً بجهله وازداد تقديراً لعلم الله الذي لا يحصى
قال تعالى في سورة فاطر - آية 28
ومن الناس والدواب والانعام مختلف الوانه كذلك انما يخشى الله من عباده العلماء ان الله عزيز غفور
وبهذه الآية العظيمة وضع الله تعالى العلم سبيل خشيته وبالتالي سبيل الجنة ... ولفظة "إنما" تدل على القصر وبالتالي فإن تحصيل العلم الشرعي والمادي واجب على كل مسلم لأنه سبيل خشية الله وبالتالي دخول الجنة
فضلاً عن أمر الله تعالى للمسلمين بدعائه للاستزادة من العلم
عندما قال تعالى سورة طه - آية 114
فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقران من قبل ان يقضى اليك وحيه وقل رب زدني علما
وهذا يدل على شيئين, أولهما أن طلب العلم والحرص عليه فرض أمر الله به, وبالطبع فإنه لا يتعارض السعي الجهيد وراء العلم مع الدعاء بالاستزادة من رزق الله من العلم فهما متلازمان غير منفكين, ثانيهما أن مصدر العلم هو الله فلا يغترن الإنسان بعلمه ويظن أنه من لدن نفسه
والعلم لايشمل العلم النظري فحسب بل والعلم التطبيقي
فقد دل الله تعالى في كتابه الكريم أن استخدام المواد الخام التي خلقها لنا في الصناعات المدنية والحربية هي عبادة وجهاد وبهذه العبادة يميز الله عز وجل بين من ينصر الله ممن لا ينصره
قال تعالى في سورة الحديد -آية 25
لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز
وقد أخبرنا القرءان أيضاً أن استخدام المواد الخام في الصناعة كانت مهنة الأنبياء والصالحين
قال الله تعالى في سورة سبأ - آية 10
ولقد اتينا داوود منا فضلا يا جبال اوبي معه والطير والنا له الحديد
وقال تعالى مخبرنا عن قصة المهندس النابغة ذي القرنين في سورة الكهف الآيات من 94 إلى 97
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا *قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ*فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا *آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا *فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا
وبهذا قد رأينا كيف احتل احترام العلم النظري والتطبيقي بل الحث عليه موقعاً متميزياً في الثقافة الإسلامية التي أرستها القرآن الكريم والسنة المطهرة
وتشمل القوة المادية كل من المعدات الحربية والقوة الاقتصادية وقد حث القرآن الكريم بشكل صريح على امتلاك ادوات الحرب كسلاح ردع لإرهاب عدو الله وعدو الإسلام حتى لا توسوس لهم أنفسهم في محاربة الدولة الإسلامية
قال تعالى في سورة الأنفال - آية 60
واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم واخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف اليكم وانتم لا تظلمون
وحث على الإنفاق في سبيل الله في مواضع أكثر من أن تحصى في هذا المقام, ولا يخفى على العاقل أن القوة المالية شرط أساسي في الإنفاق وما لا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب وعليه فإن امتلاك المال واجب في الإسلام حتى يستخدم في تقوية شوكة المسلمين
قال تعالى في سورة التغابن - آية 16
فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيرا لانفسكم ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون
وهكذا رأينا كيف أن امتلاك القوة بأنواعها واجب اسلامي لا يجوز للمسلمين أن يتقاعسوا عنه وهذا من ضمن الأسباب الكثيرة التي أدت بسلف الأمة إلى التقدم والازدهار
لقد تميز الإسلام بأنه دين الاقتناع فلا يوجد فيه إرهاب فكري ولا يوجد فيه قهر للناس على اتباع ما ليس لهم به اقتناع
قال تعالى في سورة البقرة -آية 256
لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم
فبعد أن تبين الرشد من الغي بالأدلة العقلية فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وعليه أن يتحمل مسئولية كفره في الدار الآخرة
قال تعالى في سورة الكهف - آية 29
وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا اعتدنا للظالمين نارا احاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا
وقد قرن الله تعالى افتقار البرهان على الشرك والضلال بالعقاب عليه. وبالطبع كان هذا على سبيل ارخاء العنان للمشركين فالله تعالى يعلم أنهم لن يأتوا ببرهان على شركهم وضلالهم
قال تعالى في سورة المؤمنون -آية 117
ومن يدع مع الله الها اخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون
وقال في سورة البقرة -آية 111
وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين
وقال في سورة الأنبياء - آية 24
ام اتخذوا من دونه الهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل اكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون
وقال في سورة المؤمنون - آية 117
ومن يدع مع الله الها اخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون
وقال في سورة النمل - آية 64
امن يبدا الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والارض االه مع الله قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين
وقال في سورة القصص - آية 75
ونزعنا من كل امة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا ان الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون
وهكذا نرى أن كل من يدعي أن الإسلام دين إرهاب فكري فإن ادعاءه هذا محض افتراء وليس له أصل من الصحة
إن الإسلام لا ينظر للعلوم التجريبية على أنها غاية في ذاتها ولكنه ينظر اليها في اطار انها تجلب للمجتمع المسلم منافع شتى
فهي تزيد من ايمان المسلم ويقينه بالله فقد قال تعالى في سورة العنكبوت - آية 20
قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدا الخلق ثم الله ينشئ النشاة الاخرة ان الله على كل شيء قدير
وهي لازمة لجلب القوة المادية العسكرية للمسلمين وأيضاً لجلب رخاء العيش لممجتمع الإسلامي
قال تعالى في سورة الحديد- أية 25
لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز
وكما ذكرنا من قبل في هذا البحث أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم علم الناس بأن أمور الدنيا التي سكت عنها القرءان الكريم والسنة الشريفة هي أمور متروكة للناس حتى يجربوها ويستنتجوا الأصلح لحياتهم وذلك عندما قال لهم أنتم أعلم بأمر دنياكم
وقد نبه الله تعالى على أهمية دراسة قصص الأولين وتاريخهم للاستفادة منها وعليه فقد أورد القرآن الكريم جزءاً ليس بالقليل من آياته في وصف تاريخ الأمم السابقة حتى يستفيد المسلمون منها في حاضرهم ومستقبلهم
قالى تعالى في سورة يوسف - آية 111
لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون
الاستنتاج
إن الأمة الإسلامية لم تتقدم في نشأتها من فراغ ولا من سبيل المصادفات وإنما تقدمت بإيمان قوي دفعهم إلى الإتباع المخلص الذكي لتعاليم القرءان والسنة فجعل منهم الدولة العظمى في العالم أخلاقياً وعلمياً وعسكرياً. فإن عدنا لما كانوا عليه من ايمان حاث على التقدم الجالب لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة سنتبوأ مكانتنا من جديد ولن يستطيع كائن أياً من كان أن يقهر هذه الأمة التي سارت على تعاليم ربها الذي صمم الكون وما فيه وخلق الناس الذين يقطنونه ويعلم سرهم وعلانيتهم وطبائعم. حينئذ سيكون معنا الخالق الخبير بخلقه وسيكون أعداؤنا ما زالوا متخبطين في نظمهم المادية التى تصيب وتخطئ. والعقل والتاريخ يجبرانا أن نعتقد بانتشار الإسلام ونصر المسلمين إذا عدنا إلى ديننا عوداً حسنا. والله الموفق إلى سبيل الرشاد
والله أعلم
تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم
هناك تعليق واحد:
جزاكم الله خيرا
إرسال تعليق