الخميس، 30 أكتوبر 2008

وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ


إن الشائع في الثقافة الإسلامية الحالية هو التسامح والتسامح فقط مع المسئ ومما لا شك فيه أن للتسامح شأن عظيم في الإسلام ويُوجد ما لا أحصره من الآيات الكريمات والسنة النبوية الشريفة ما يُشجعُ على التسامح.
ما أود أن أثيره في هذا المقال هو الفرق بين تسامح القادر وتسامح الخانع. أما الأول فلقد رحبت به الشريعة الإسلامية أيما ترحيب وحثت عليه فهو مُستمَدٌ مباشرة من روح الإسلام وتعاليمه. ولكي نعرض مثالاً موجزاً لهذه القضية من القرآن الكريم نستشهد ببعض من آيات الله الكريمات في سورة الشورى.

وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ


إن هذه الآيات الكريمات تضع النقاط فوق الحروف في قضية هذا المقال. فإن الإسلام لا يمنع القصاص العادل من الظالم بل يحث عليه ويشجعه وإنما يكون التسامح المباح إسلامياً هو التسامح المبني على القدرة على القِصاص وليس تسامح التخاذل والخنوع الذي يربي كثيرٌ من المسلمين عليه أولادهم بدعوى أنه من الإسلام والإسلام منه براء.
ولا يغيب على متأمل وفاهم لروح الإسلام أنه لا يدخل في هذا التخاذل والخنوع من يُظلم وهو لا يستطيع أن ينتصر لنفسه فيحتسب ذلك عند الله عز وجل وإنما يدخل فيه من يتهاون في حقه خوفاً من بطش الظالم, فإن الذي ينبغي ألا يُخشى غيره هو الله العزيز الجبار.

قال الله تعالى في سورة آل عمران آية 173


فنعم تسامح القادر وبئس تسامح الخانع

والله أعلم

تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

الأسباب ومشيئة الله المطلقة

السلام عليكم
إن المتأمل في سنن الكون يجدها تشير بكل جلاء إلى وجود الواحد القهار, الله عز وجل. فالعلم الحديث يخبرنا كل يوم (لمن يريد مزيداً من الاطلاع عليه دراسة ميكانيكا الكم) أن ظواهر الكون وأحداثه إنما تحدث بطبيعة احتمالية لا يستطيع الإنسان أن يجزم فيها بمعرفة الدقائق - وذلك يظهر أيما ظهور على المستوى الذري الميكروسكوبي - ولكن الله برحمته سن لنا على مستوى معيشتنا العادية قوانين للكليات الظاهرة لنستطيع أن نبني الحضارة الإنسانية.
وعلى هذا فالعلم لا يستطيع يقيناً إخبارنا هل النار ستحرق القطن الذي سنلقيه فيها اللحظة القادمة أم لا؟! ولكن المشاهدة تخبرنا بأن احتمال حرق النار لهذا القطن كبير جداً يكاد يصل إلى الواحد الصحيح ولذلك لا أظن أن أحداً من القراء رأى من قبل ناراً لا تحرق. وتتجلى هنا مشيئة الله المطلقة فهو يستطيع - لا غيره- اختيار الأحداث دون حد أو قيد وهذا ما حدث في معجزة عدم حرق النار لنبي الله إبراهيم عليه السلام. ويخبرنا القرآن الكريم عن هذه الحادثة الفريدة التي اختارها الله بقدرته في هذا الموقف العصيب الذي وُضع فيه نبي الله:
قال تعالى في سورة الأنبياء آية 69
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ
صدق الله العظيم
ومن هنا يأخذ المسلم العبرة أن الأسباب التى نراها هي أسباب ليست لها اتصال متين بالنتائج التي تليها ولكن الله بقدرته يريدها كذلك في معظم ما نتعامل معه من شئون الحياة تيسيراً لنا للمضى قُدماً في هذه الحياة. وعلى المسلم ألا ينسى يوماً هذه الحقيقة وهي أنه إن من شئ إلا بقدر الله وقدرته
يقول الله تعالى في سورة الواقعة 63-64
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ , أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ
صدق الله العظيم

وكذلك كل شئون الحياة لا سبب لها فعلى إلا إرادة الله المطلقة وإنما ما ندعيه أسبابا إنما جعلها الله متلازمة في أغلب الأحوال مع النتائج رأفةً ورحمةً بنا, فلا شفاءَ إلا بإذنِ الله الذي يجعل تعاطي الدواء المناسب ملازماً للشفاء إن أراد هو ذلك لا غير.
يقول الله تعالى في سورة الشعراء الآية 80
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ
صدق الله العظيم

وبالطبع لا يجوز لعاقل أن يترك التداوي ويقول سيشفيني ربي ولكن العاقل من يدرك أنه يجب عليه تعاطي الدواء احتراماً لسنن الله في كونه وفي الوقت ذاته يجب عليه التسليم بأن الدواء ليس بشافٍ ولكن الشافي هو الله تعالى.

والله أعلم

تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم