السبت، 16 يناير 2010

الإيمانْ - آثارٌ وواجبات

السلام عليكم
آثار الإيمان االظاهرة
الإيمان له آثار تدل عليه, فإن لم تظهر هذه الآثار على المؤمن فإيمانه ضرب من الوهم. والنصوص في القرءان والسنة تضافرت حول هذا المعنى الذي إن زال عن عقول المؤمنين لم يستدلوا على أي لغط في إيماتهم قد يودي به إلى الفساد.

قال تعالى في سورة المؤمنون في وصف أثر إيمان المؤمن الصادق على ظاهره:
"قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"
صدق الله العظيم

وقال تعالى في سورة الأنفال:
"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ"
صدق الله العظيم
==========
والتوكل المذكور في الآية والصحيح شرعاً هو أنه يجب عليك عمل كل مستطاعك في سبيل نوال مرادك مع يقينك الجازم بأن هذا العمل ليس سبباً قي نوالك مرادَك وإنما إرادة الله وحدها هي السبب الحقيقي في نوالك إياه. وتبعاً لذلك فإنه لا يجوز لك انتظار تحقق مرادِك دون عمل, ولا يجوز لك أن تظن بأن عملك, دون إرادة الله, كان سبباً في تحقيق مرادك.
==========
وقال تعالى في سورة الحجرات:
"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ"
صدق الله العظيم

وقال أيضاً في سورة الحجرات
"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"
صدق الله العظيم

فلو توهم أحدُنا الإيمان في قلبه ولم يظهر عليه الآثار المذكورة باللون الأحمر والتي هي على سبيل المثال لا الحصر, فليعلم أنه إيمانه ليس بالإيمان الذي يرضي ربه بل هو شئ آخر لا علاقة له به.
=============================================
واجبات الإيمان اللازمة
و كما أنه للإيمان آثارٌ تدلُ عليه تلقائياً بظهورها على المؤمن, فله أيضاً واجباتٌ وأعمالٌ تصدقه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف الإيمان بأنه ما وقر في القلب وصدقه العمل.
وعلى سبيل المثل, فكلُ ما هو وارد في القرآن الكريم بعد "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ", إنما هو إما أمرٌ بعملٍ يصدق الإيمان الواقر في القلب أو نهيٌ عن عملٍ يكذبه.
ونأتي بآية الدين كمثال على هذا في سورة البقرة:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"
صدق الله العظيم

وأمرت السنة النبوية المطهرة بالإتيان بمُصدقات الإيمان ونهت عن مُكذباته في عدد من التوجيهات النبوية أكثر من أن تُحصى في مقالنا
قال صلى الله عليه وسلم:
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6136
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

وقال صلى الله عليه وسلم:
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6136
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
=============================================
الخلاصة:
الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل بكلا وجهيه من عملٍ تِلقائيٍ يظهر على المؤمن كأثرٍ مباشر لإيمانه وعملٍ ناتجٍ عن طاعة أوامر أو كفٍ عن نواهي من نؤمن به, الله تعالى.

والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

الأحد، 10 يناير 2010

الدعاء متمم للعمل

السلام عليكم

لقد أصاب المسلمين في هذا العصر الضعف والوهن وذلك نتيجة ترك منهج الله تعالى عمداً أو جهلاً, فهناك الكثير من الأخطاء في فكر الكثير من مسلمي هذا العصر:
منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- الاهتمام بأجزاء من المنهج الاسلامي وترك باقيه وكأنه غير موجود
2- عدم التدبر في آيات الله في الكون أو في كتابه الكريم
3- الأخذ بالدعاء دون العمل

وقد تكون بعض الأخطاء نتيجة للأخرى فمثلا الخطأ الثالث عادة ما يكون نتيجة للخطأ الأول

وفي هذه المقالة سوف نركز على خطأ الأخذ بالدعاء دون العمل

أهمية الدعاء
لقد أمرنا الله بالدعاء والكثير من العبادات مثل الصلاة هي صور من الدعاء.
بل إن ترك الدعاء فيه وعيد شديد من الله تعالى
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر - 60

والدعاء هو صلة مباشرة بين العبد وربه لا وسيط فيها وهي أرفع درجات العبادة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن الدعاء مخ العبادة
الراوي: - المحدث: الشوكاني - المصدر: الفتح الرباني - الصفحة أو الرقم: 11/5326 خلاصة حكم المحدث: متواتر

الاستجابة والتلبية

إن الاستجابة مختلفة عن التلبية
إن التلبية تعني التنفيذ دون أي تفكير
أما استجابة الله تعالي للدعاء فمعناها تحقيق الدعاء بالشكل الذي يراه الله مناسب للعبد وليس بالضروري أن يكون بالشكل الذي طلبه العبد

ونعوذ بالله أن نظن أن الله يلبي لنا ما ندعو سبحانه وتعالى إنما يستجيب الله الدعاء إن شاء ويحققه بالشكل الذي يشاء في الوقت الذي يشاء ولذلك فعلى الانسان الذي يدعو أن يعلم هذه الحقيقة الواضحة ولا يستعجل اجابة الدعاء ولا يتوقع أن الاستجابة يجب أن تكون كما دعى.

ونذكر هنا حديثا نبويا رائعا عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو لنا ؟ فقال : ( قد كان من قبلكم ، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، فيجعل فيها ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ) .
الراوي: خباب بن الأرت المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6943 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

لاحظ أنه صلى الله عليه وسلم أجاب عن سؤال أصحابِه دعاءَه بحثهم على الجهاد وتحمل الأذي في سبيله وكأنه يلفت أبصارهم إلى أن الأصل هو الأخذ بالسنن و ومنها نصر الله, حينئذ يستجيب الله تعالى دعاء من احترم سننه التى أرساها, فمن التناقض أن تعبد الله العبادة اليسيرة وهي الدعاء دون أن تصحبها بالتضحية والكد في سبيل دين الله وهي العبادة المُبينة لمعادن الناس ومدى إيمانهم لأت فيها تحمل ومعاناة. فاعلم أن سلعة الله الجنة وأنها غالية.

دور الدعاء في المنهج الاسلامي
إن الدعاء هو مخ العبادة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم

ولكن هل الدعاء هو المنهج الاسلامي في الحياة؟
كلا بالطبع إن المنهج الاسلامي يعتمد على العمل والدعاء سويا ولا يصح أن يعمل الانسان عملا دون دعاء أو أن يدعو دون عمل

ولقد أخطأ الكثير من المسلمين بأن كانوا أحد الفريقين الآتيين:
1- أناس يعتمدون على الدعاء ويتركون العمل ويضم أكثر المسلمين الملتزمين الآن!!.
2- أناس انبهروا بالغرب والمادية فاعتمدوا على القوانين الكونية وتركوا الدعاء أو همشوه ويضم فئة قليلة, فقد المسلمين لهم من صفوفهم هو غنيمة وليس غُرماً.

وكلا الفريقين على خطأ وعلى الفريق الأول أن يعلم أن العمل واجب مع الدعاء وعلى الفريق الثاني أن يعلم أن الأسباب وحدها لا تكفي
وسوف نركز على الفريق الأول في هذه المقالة

العمل واجب مع الدعاء
إن الله قد خلق هذا الكون وجعل له سنن وأمر الانسان بالتفكر في الكون وتلك السنن.
والله قد رزق الانسان بالعلم لكي يسخر له به تلك السنن لحياته ومنفعته ويجب على كل مسلم دراسة تلك السنن ما استطاع والاستفادة منها ومن تسخير ربنا إياها لنا. ومن يترك تلك السنن عن عمد وهو يقدر على استخدامها كمن يهزأ بحكم الله في خلقه ويريد أن يخرق الله له تلك السنن.
ولكنه كي يستفيد من تسخير تلك السنن فعليه أن يتذكر دائما أنها كلها بيد الله فيتم عمله بالدعاء لله الذي بيده كل شيء.

ولو تدبرنا في آيات الدعاء في القرآن الكريم لوجدناها اقترنت مع العمل بالأسباب:

1- حين دعا جنود طالوت كان ذلك بعد الأخذ بجميع الأسباب
(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
* وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين) البقرة 249-250

فلقد دعوا ربهم بعد أن أطاعوا ملكهم طالوت وعملوا كل ما بوسعهم من أسباب حتى برزوا لجالوت وجنوده فدعوا الله أن ينصرهم فهم يعلمون تماما أن النصر من عند الله وليس نتيجة للأسباب الدنيوية.

2- وفي الآيات: (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ*وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة 200-201
نجد الدعاء مقترن بقضاء المناسك.

3- وأيضاً: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) آل عمران 190-195
والآيات السابقة واضحة وضوح الشمس بأن المؤمنين يتفكرون في آيات الله وسننه في الكون ويعملون بطاعته وإذا نظرت إلى الاستجابة في الآية الأخيرة لوجدتها مرتبطة بالعمل ارتباطا وثيقا.

ترك الأسباب والركون إلى الدعاء وحده:

إن ترك السنن والركون إلى الدعاء فقط مع القدرة على الاستفادة من السنن لهو خطأ فادح ولنتأمل تلك الآيات:

(سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ * لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ) الرعد 10-14
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم باتباع السنن التي خلقها الله.

وترى الآيات تضع صور رائعة من سنن الكون (أو قوانينه كما نطلق عليها) وهي البرق والرعد وتصفها باسلوب مبهر يجعل من يقرأها يجل تلك السنن ويعظمها لأنها أوامر الله. فهي أوامر الله الكونية وتشبه في عظمتها أوامر الله في كتابه الكريم وعلينا أن نأخذ بتلك السنن وأن نخضع لها لا أن نهملها ولا نعتمد عليها.
وتظهر الآيات منهجا وسطا في التعامل مع السنن الكونية بين من لا يلقون لها بالا ويعتمدون على الدعاء دون العمل وبين من يقدسون السنن الكونية فقط ويرجعون كل الأحداث لقوانين الطبيعة دون أن يذكرون أن كل ما يحدث هي أوامر الله تعالى في كونه كما في قوله تعالى:
(وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ ) الطور - 44

إن السنن لا تتعارض مع أن كل شيء بيد الله وعلى الانسان أن يأخذ بتلك السنن التي خلقها الله (مع الإيمان بأن الله تعالى هو الذي يضع تلك السنن) ولا يتركها ويركن للدعاء فقط.

خداع النفس بالدعاء فقط
ولذلك نرى اليوم الكثير من المسلمين يدعون الله ولا يعملون كل ما في وسعهم مع الدعاء ويتوقعون اجابة الدعاء بلا عمل. بل ويكون الدعاء كالمخدر الذي يوهمه أنه قد فعل كل ما عليه وتوكل على الله. وهذا خداع تلجأ له النفس البشرية حتى لا تشعر بالتقصير نتيجة عدم الأخذ بالأسباب. ومن يخدع نفسه بتلك الطريقة بأنه قد فعل كل ما عليه إنما تغره الأماني ويحلم فقط بانصلاح الأحوال دون أن يحاول الإصلاح.

قال تعالى:(لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) البقرة 123-124

إن الجزاء في الآخرة على العمل مع الإيمان وليس على الإيمان وحده (لأنه في هذه الحالة إيمان منقوص) ولا العمل وحده دون إيمان. وعلينا اتباع منهج الله كاملا في العمل والدعاء ذلك هو الاسلام ولو رأيتم الآية التي تلي تلك الآيات:
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) البقرة 125

والتذكرة هنا بدين الاسلام الذي يعني الاسلام لكل أوامر الله تامة والآية تذكر بسيدنا ابراهيم عليه السلام الذي اتبع منهج الله تاما كاملا كما في قوله تعالى:
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة 124

ولنتأمل هذه الآيات التي تصف من لا يتبع ملة ابراهيم في الاسلام التام لأوامر الله :
(وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
البقرة 130

جزاء ترك جزء من المنهج

إن الاسلام هو الاتباع التام لكل أوامر الله ونواهيه وليس من الاسلام ترك أي جزء من الدين والاكتفاء بجزء آخر كما فعل بنو اسرائيل حين اتبعوا بعض الكتاب ولم يتبعوا البعض الآخر ولنرى جزاء ما فعلوه في قول الله تعالى:
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) البقرة 84-86

فتنة الخوف الذي يمنع العمل

إن فتنة الركون للدعاء فتنة شديدة نتيجة احساس النفس بالخوف أو الضعف من اتخاذ السبل فانها تخاف الايذاء في سبيل الله سواء في النفس أو المال. وهذا الخوف يجعلها توهم نفسها بأن كل ما تخافه يخرج عن استطاعتها دون محاولة ودون أي همة. وعلى كل شخص أن يفرق بين ما يستطيعه وبين ما يخافه ولا يوهم نفسه بأن كل ما يخافه يندرج تحت ما لا يستطيعه. ولنعلم أن الله أحق أن نخشاه:
(إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران - 175

الخلاصة:
الدعاء دون الأخذ بالسنن هو ابتعاد عن منهج الله تعالى وهو خداع للنفس حتى تظن أنها قد قامت بكل ما تستطيع.

وفي النهايه أذكر نفسي وإياكم بالعمل بالسنن قدر المستطاع والدعاء مع العمل وأسأل الله أن يرزقنا الاخلاص.
ولا أجد إلا كلمة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه (أما والله إني لأقول لكم هذا وما أعرف من أحد من الناس مثل ما أعرف من نفسي ) ولكنها تذكرة ونسأل الله أن يغفر لنا أجمعين


والله أعلم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك تنويه هام ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

الزمن؟!

السلام عليكم
سأختار تعريفا ربما أكثر التصاقا بالروح وأقل التصاقا بالمادة, ربما أعرف الزمن تعريفا شخصيا غير موضوعي.

الزمن هو:
احساس فطري بداخلنا بالتغيير (والتغيير = اختلاف المعلومات التي نشعر بها "باستمرار") حتى لو كنا في فراغ وحتى لو كنا بدون اجساد
والزمن اتجاهه واحد بالتعريف لأنه يعبر عن شعورنا باختلاف كم وكيف المعلومات التي تصل لأرواحنا وهو مرتبط بالحياة والحياة مرتبطة به
ومشكلة الزمن وما يميزه عن باقي الأبعاد أنه الخصم والحكم في الآن ذاته
فالطول مثلاً ندركه عندما نقيس مسافة معينة باداة قياس . وعملية القياس تأخذ زمنا!
ولكن كيف نقيس الزمن؟! ليكن القياس بنفس الطريقة باداة قياس اخرى وهي الساعة, ولكن عملية القياس تستغرق زمنا ايضا ولذلك لابد أن يكون هذا الزمن الذي تستغرقه عملية القياس في وعينا غير الزمن الذي نقيسه وإلا لكنا عرفنا الماء بالماء وفرغنا الزمن من موضوعه.

ولكي ألخص:
هناك زمن موضوعي وهو الزمن الذي اعتبرته نظرية النسبية بعدا مكانيا كباقي اﻷبعاد إﻻ أنه مضروب في سرعة الضوء × الجذر التربيعي لـــ (-1) , وهناك زمن آخر مرتبط بالوعي والحياة ولابد من وجوده لكي نشعر بما نقيسه من زمن موضوعي.

وبالتالي فالمنظور الميتافيزيائي للزمن يجعله هو البعد الوحيد "إن جاز التعبير" وهو جزء لا يتجزأ من عمل الروح! أما باقى الأبعاد (بما فيها الزمن الموضوعي) هي بعض من الكون الذي يتكون من معلومات ندركها نحن (ارواحنا).
أما الزمن الشخصي فهو لا يحمل معلومات يمكننا إدراكها لأنه ملتصق بالروح التي سرها الأكبر عند رب العالمين

ملحوظة:
موضوعية الزمن لا تتنافي مع نسبيته ولكن هذه النسبية هي موضوعية في ذاتها!!, أما ذاتية الزمن فتتصف ولا مراء بالنسبية المطلقة!!

حقيقة علمنا
إن الله تعالى قدر لنا ما يمكننا معرفته من العلم الكلي بالكمية التي تفيدنا في شئون حياتنا وآخرتنا, أما العلم الكلي المطلق فلا قبلَ لنا به, وبالتالي فلنرض بالتقريبات الرياضية المتناسبة مع نقصنا البشري حتى يفتح الله بيننا وبين قدر أكبر من العلم في الوقت الذي يشاء والذي يعتمد أيضا على مدى اجتهادنا في تحصيله.

ولكن


ما ﻻ يُدركُ كلُه, ﻻ يُترَك كله


ومن الله نستمد جميعا الفكر والعلم


السلام عليكم


والله أعلم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

السبت، 9 يناير 2010

خواطر مبعثرة 2

السلام عليكم
1-إنما النجاح في رضا الله عن العبد, والسعادة في رضا العبد عن الله قال تعالى
"وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "
صدق الله العظيم

2- الإنسان الكاظم لغيظه كالبركان الثائر من باطنه, يضر فقط نفسه إيثاراً لغيره عليها, فلا يكون على ظاهره شئ من أثرِ ثورته, وكثيراً ما يظنه الناس بركانا خاملاً من ندرة ثورته!!, فيزيدون عليه من الأذى من حيث لا يشعرون, حتى لا يروا ثورةً مثل ثورة الكاظم غيظَه إذا ثار.

3- الإيمان فكر وعقيدة, يصدقه العمل فيظهر عن أثر صحته عملاً يرضي الله تعالى, أو يكذبه العمل فيظهر عن أثر فساده عملاً يغضب الله تعالى. أما إن لم تجد عملاً فتيقن أنه لا إيمان, لا صحيح ولا فاسد!!

4- إنما أخذ المُنكر صفتَه من إنكارِ الناسِ إياه! فإن كفوا عن إنكاره صار ليس بمنكر, فإن طال به الزمان هكذا صار معروفاً بين الناس, فإن نهيت عنه بعد أن صار معروفاً حاربك الناس لأنك تنهى عن المعروف في نظرهم!!! .... فانكروا المنكر رحمكم الله

5-فرط تمني الحصول على المراد ربما يدفعك إلى الكسل عن تحصيله, كذلك اليأسُ من نَيلِه هو الآخرُ يدفعك إلى الخمول عن السعي في الحصول عليه!!

6- القرآن هو كلام الله المنزل, والكون هو استجابة قوله "كن" له ليكون كوناً!, فهو خلق الله تعالى.
فإن واصلنا القرآن وأهملنا التدبر في الكون فهو هجر للتدبر في عظمة ربنا من خلال إدراكنا وإمعاننا في إحكامِ خلقِه لكونِنا, وهو أيضاً مناقضة لوصلنا القرآن الآمر بالتدبر في الكون!!
وإن واصلنا الكون وأهملنا التدبر في القرآن فهو هجر للتدبر في عظمة ربنا من خلال إدراكنا وإمعاننا في إحكامِه كتابَه المنزَل, وهو أيضاً مناقضة لوصلنا الكون الآمر ضِمناً بالتدبر في صانعه وإرشادته المجمعة في كتابه!!


والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

السبت، 2 يناير 2010

الجزاء من جنس العمل: سورة الحديد والسور الحديدي

السلام عليكم

أ-ما يحدث في الدنيا
يا أولي الألباب من بُناء السور الحديدي تأملوا معي في سورة الحديد في كلام الله من الآية 6 إلى الآية 17 التي عندما سمعتها فإنما أحسست أنني أسمعها للمرة الأولي

يا من تحاصرون المؤمنين ألم تعلموا أن الأيام دولُ وأنك اليومَ مُحاصِر وغداً مُحَاصَر؟

6- يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

فكما يتعاقب الليل والنهار إن كنت مُحَاصِرَاً اليوم فستكون مُحَاصَرَاً غداً

7-آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ

لا تظنوا أن مساعدتَكم إخوانَكم من المؤمنين هو من جيبكم, لا والله فأنتم مُستخلفُون في مال الله, فأنفقوه في سبيل الله وإلا تهلكوا, وتفكروا في أنه من عِظمِ كرم الله عليكم أنكم إن انفقتموه في سبيله, كافأكم مع أنكم غير ممتلكين للمال. فلا تمنوا على إخوانكم حينئذ, بل الله هو الذي يمن عليكم أن هداكم طريق الطاعة والصلاح.

8-وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

9-هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ

أستفشلون في الاختبار بعد أن أعطيتم ربكم ميثاقكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً؟ أبعد أن هزمتم اليهود تتطاوطأون معهم وتوالونهم ضد إخوانكم من المؤمنين؟ فتقعون في ظلمات قد أحكتموها لأنفسكم بحجب نور الله قسراً عنكم؟

10- وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

11-مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ

وهل تنتظرون أن ينصر الله تعالى المؤمنين حتى تنفقوا وتساهموا في إعادة إعمار ما هدم عدوكم وعدوهم من مدنهم وقراهم؟!يومئذ ستنفقون في سبيل الله وتسعون لإرضائهم لأنهم انتصروا بحول الله وحده وقد كنتم تضيقون عليهم الحصار وتشاركون في إيذائهم من قبل. أتظنون أنهم سوف ينسون في يوم من الأيام ما كدتم لهم به؟ وإن نسوا ولن ينسوا, فلن ينسى الله, وما كان ربكم نَسِياً.
والأكيس من هذا والأفضل أن تساعدوا إخوانَكم في الإيمان, فتتحول مساعدتُكم لهم بكرم الله وفضله يوم التغابنِ إلى أضعافِ أضعافِ ما قدمتموه.
=============================================
ب-الجزاء في الآخرة

12-يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

وهذا هو جزاء الصابرين المصابرين المرابطين في سبيل الله يوم القيامة يوم الاحتكام إلى الله العادل الذي لا يظلم مثقال ذرةٍ, فسيجعل المؤمنين الذين ضُيِقَ عليهم وحوصروا في الدنيا وقبضوا على دينهم حتى وإن كان قبضهم عليه كالقبض على الجمر, سيجعلهم هانئين هاشين باشين في جنة الخلد بما أنعم الله به عليهم من نعم لا تُعدُ ولا تحصى ولا تُوصف ولا تُحكَى من فرط جمالها وكمالها. ولمن يرى أمامه شبراً واحداً وليس تحت أخمصيه, يعلم أن هذه الدنيا قصيرةٌ فانية, وأننا جميعاً شأنُنَا يوم الدين إلى خسرانٍ مبين أو إلى فوز عظيم. كلُ امرئ بما كسب رهين.

13-يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ

ولما لا يكون هذا جزاء من حاصر إنسانًا بسورٍ حديدي في الدنيا؟ لم لا وقد علمنا أن الجزاء من جنس العمل؟ وقد ظن أن هذا السورَ سيرحمه من سوط أعدائه ممن يكرهونه سواءاً أضربَ السورَ بينه وبين إخوانه من المؤمنين أم لا وقد ظن أيضاً أن هذا السور سيهلك المؤمنين وراءه.
ولكن هيهات هيهات, فليوقنن الذين أمنوا وباعوا دنياهم وليوقنن أيضاً الذين باعوا دينهم بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم.


14-يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ

لقد فات الآوان!! أبظنكم أنكم ساعدتموهم فيما قبل في حروبهم ضد أعدائكم وأعدائهم سيشفع لكم الآن وقد جاء اليوم الحق!؟, يوم الدين!؟ يوم التغابن!؟ حتى هذه المساعدة فقد افسدتموها بمنكم وأذاكم لمن من الله بهم عليكم بأن تقفوا بجانبهم, وتنتصروا بنصر ليس بنصركم, ولكن بنصر الله, فمننتم على الله أن أسلمتم, بلى والله فإنه هو من يمن عليكم بأن هداكم للإيمان ثم أنتم تتخلون عما هُديتم به وتضيعونه في أماني قاصرة فانية.

إنكم ارتكستم بعدها وظننتم أن الدنيا طويلة ولم تُعِدُوا العدةَ ليوم لا ينفعكم به "صداقة أعدائكم" الزائفة! فيوم إذن سيتبرأون منكم ولن ينفعكم إدعاء الاستضعاف وأنكم أطعتموهم. فلقد خنتم دينكم باستصدار فتاوى باطلة من قوم باعوا دينهم بلا شئ, فلاهم أبقوا لأنفسهم زاداً يتزودون به لدخول الجنة ولاهم استمتعوا بما غرهم به عدوهم من أماني باطلة في الدنيا.

15- فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

لقد جاء وقت تصفية الحساب فكما مَنَ الله على الذين باعوا دنياهم بآخرتهم بجنةٍ عرضُها كعرض السماوات والأرض جازاكم بما عملتم ناراً خالدين فيها, تواليكم وتحبكم, كما واليتم وأحببتم من قبلُ في دنياكم أعداءَ الله وأعداءكم!!. بئست النهاية, بئست النهاية.

=============================================
جــ - فرصة أخيرة

16-أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ

الآن وقد عرفتم مصيركم إذا ما استمرأتم موالاة عدوكم ومعادة وليكم! فهلا من عودة وأوبة إلى الله رب العالمين؟, فيفرح بتوبتكم وتفرحون بتوبته عليكم؟, وتلين قلوبكم لذكر الله من جديد.
وحينئذ تندموا عن موالاتكم لليهود الصهاينة الذين أقصوا قلوبَهم عن ذكر الله فأقسى الله قلوبَهم, فلم يرضوا إلا أن تكونوا مؤانسيهم في نار جهنم, يوم لا أؤنس وإنما هو البؤس وكفى.
حقداً منهم وكرهاً, حاولوا إقصائكم عن ذكره كما أقصوا أنفسَهم, فرضيتم بمحاولتهم ورضيتم بإقصائهم إياكم, فأقسى الله قلوبكم عن قدرة ذكره بطول أمد إقصائِهم أرواحَكم وأنفسَكم عن حصنِ الإيمانِ باللهِ ربِ العالمين.
وذلك جزاء الظالمين, فلا تكونوا منهم وقد ترك الله بين أيديكم كتاب منير وسنة تهديكم إلى نور كتابه. فاعتبروا يا أولى الألبابَ.

17-اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

ويذكركم الله مرة أخرى بعد أن أوضح لكم سننه الماضية حتماً, يذكركم أن الجزاء من جنس العمل, ليس في الدنيا وحسب, وإنما أيضاً في يوم التغابن الذي هو قادمٌ قادمٌ, ولن يكون حساب أحدكم إلا وحدَه مُجَرَداً عن الأولياءِ المُتَوَهَمِين, وسينشركم الله من قبوركم بعد أن ينبتكم من أماكن مدافنكم كما ينبت الحبَ بالمطرِ, بعد سكون وموت, ليحشركم جميعاً فيقضي فيكم ويأخذ كلُ ذي حقٍ حقَه.
=============================================
د- مزيد من التأمل

واترك لكم التأمل في أول سورة الحديد مما لم أذكره وفي أواخرها أيضاً, فهي وحدةٌ متكاملة تتكلم في سياقِ أحداثِنا في زمانِنا ومكانِنا عن من فتنوا المؤمنين والمؤمنات ومصيرهم.

ولتهتموا أيما اهتمام بوظيفة الحديد التى أرادها الله لنا, كما ذكرها تعالى في نفس السورة قائلاً:

"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ"

الذي أنزله الله علينا وسخره لنا ليكون لنا به البأس على أعدائنا وننتفع به في دنيانا, فأسأنا استخدامَ نعمةِ ربنا, فكان لنا به البأس على أهلنا من المؤمنين والمؤمنات,أي على أنفسنا, وكان استخدامنا إياه ضرراً علينا وليس نفعاً!! فعلم الله منا عدم نصرنا إياه بالغيب, ولكننا غُيِبنا عن حقيقة أن نصرنا لله هو جالبُ نصرِه لنا, فنحن المنتفعون بهذا النصرِ في نهاية الأمر, والله غنيٌ عن العالمين.

وأذكرهم أخيراً بقوله تعالى في سورة البروج
"إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ"

صدق الله العلي العظيم في وعده للمؤمنين والمجرمين

والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم