الأحد، 1 أكتوبر 2017

لماذا بُهِتَ النمرود؟!

العملية العكوسية reversible process في الفيزياء هي تلك التي لو صورتها في ملف فيديو، ثم أجريت هذا الملف بالعكس، من النهاية للبداية، لظهر ما تراه ممكنًا حدوثُه في الواقع.  مثل أن تصور قذفك لحجر بعيدًا عنك، ثم تجري الفيديو بالعكس، سترى ما يظهر لك ممكنًا جدًا، فإنه بإمكانك أن تقذف حجرًا آخر بالعكس بحيث تكون زاوية انطلاقه هي نفسها زاوية سقوط الحجر الأول، فتجد أن زاوية سقوطه هي نفسها زاواية انطلاق الحجر الأول!. العملية اللاعكوسية irreversible process في الفيزياء هي تلك التي لو صورتها في ملف فيديو، ثم أجريت هذا الملف بالعكس، من النهاية للبداية، لظهر ما تراه مستحيلًا حدوثُه في الواقع.  مثل أن تصور انكسار كوب زجاجي وتفتته إلى أجزاء، فإنك لو أجريت فيديو هذا الحدث بالعكس لظهر لك هذا مستحيلًا.  لماذا بُهِت النمرود؟!  عندما ادعى النمرود أنه يحيي ويميت، كان ادعاؤه بإحياء الموتى تحديدًا هو الفرية التي قد يخادع بها نفسه قبل الناس بأنه إله! وذلك أن ظاهرالإماتة قد يُتَوَهَّم بيسرانه ممكن، وذلك باختلاط الأمر على الناس بين القتل والإماتة، وعليه فليس في الإماتة - إن تُوُهِمَ أنها هي نفسها القتل - أي قدرة خارقة! لكن إحياء الموتى ليس كذلك، فحمله مجازيًا - بإنقاذ من هو على وشك الموت من الموت مثلًا - لا قدرة خارقة فيه، أما ادعاء القدرة على إحياء الموتى، هو الذي فيه احتياج لقدرة خارقة، وهو الذي يمكن أن يُضَل به الناس، ذلك أنه ادعاءٌ للقدرة على عكس أكثر العمليات لاعكوسية على الإطلاق، وهي "الموت"! نعم، فإن انتقال الحي من الحياة إلى الموت هو أمر- لو نُظِر إليه بعين الفيزياء فقط، بعيدًا عن أمر الروح الغيبي - لا يستطيع فعله إلا الله. حينها جاءت هداية الله تعالى لإبراهيم أبي الأنبياء بأن المهمة الحجة البالغة، فلم يناقش إبراهيم النمرود في أمر عكس هذه الظاهرة الكونية المعقدة البالغة اللاعكوسية، وهي ظاهرة الموت، لكنه نقل الحجة بأن تحداه بأن يقوم بعكس ظاهرة كونية عكوسية في طبيعتها وهي عملية دوران الأرض حول نفسها، فانتقال الشمس من المشرق إلى المغرب هو - فيزيائيًا - نفسه دوران الأض حول نفسها! ولو أنك صورت الأرض وهي تدور حول نفسها ثم عكست جريان الفيديو لظهر لك أن هذا ليس مُستَغربا من حيث المبدأ الفيزيائي. حينها ظهر للنمرود مدى ضعفه وضعف حجته بأنه لا يستطيع عكس حتى العمليات العكوسية الكونية كدوران الكواكب، فكيف به أن يدعي القدرة على عكس أكثر العمليات اللاعكوسية في الكون وهو انتقال الكائن من الحياة إلى الموت؟!!. إنها الحجة البالغة التي آتاها الله لإبراهيم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258]

والله أعلم.

أسئلة وأجوبة حول آلية استجابة الدعاء

الأسئلة:
*  كيف يعمل الدعاء؟ أقصد من الممكن أن يدعوشخصان  ربنا بأمرين متضادين وكلا الشخصين مسلمان .. مين سيستجيب الله له ؟

*  مذاكرة + دعاء = نجاح ... 
مذاكرة - دعاء = نجاح أيضا..
 دعاء - مذاكرة = فشل ..
إذًا ما دور الدعاء في هذه المعادلة ؟ 

*  نسمع عن إنسان بوذي دعا أن ينجب ولدًا وحدث هذا, هل معنى هذا أن بوذا قد استجاب له؟ أم ماذا حدث؟!


الأجوبة

الدعاء له جانبان الجانب الأول هو أن الدعاء عبادة المفروض أن المسلم يقوم بها ليس لتعويض الأسباب ولكن لإثبات أنه يعلم أن الأسباب من عند الله وليست قائمة بذاتها.  مثلا أنا وغير المؤمن نذاكر، أنا لا أدعو كي أعوض تقصيراً في المذاكرة بالدعاء، ولكن أدعو كي أحقق في قلبي إرجاع تفعيل الأسباب لله. وهذا هو الاختلاف بين المؤمن وغير المؤمن، وهو أن المؤمن يؤمن أن الأسباب المادية فعالة بإذن الله، وغير المؤمن يؤمن أنها فعالة بذاتها.  
هذا من جانب .  الجانب الثاني هو الدعاء بالتوفيق في الظروف التي لا علاقة لها بالجهد، فمثلا الصياد، يخرج في رحلة صيده ويتحرى وقت ومكان تواجد السمك، لكن يتبقى عنصر التوفيق، أو ما يسميه غير المؤمن "الحظ"، فيدعو المؤمن الله أن يوفقه في أن تبتلع الطعم سمكة جيدة المواصفات، لأن ابتلاع هذه السمكة بالذات للطعم لا علاقة له بالمجهود لكن هناك سؤال جوهري له علاقة بالدعاء، لاسيما بالجانب الثاني وهو جانب التوفيق، وهو : 
ما هي " الاستجابة"، وما الفرق بينها وبين "التلبية"؟  يظن معظمنا أن الاستجابة هي التلبية، أو يخلط بينهما، لكن شتان بينهما!  التلبية تكون بعد الأمر الذي يصدر من الأعلى إلى الأدنى! ويكون لا اختيار للملبي بخصوص وقت التلبية ومكان التلبية ونوع ما يلبيه فمثلا يطلب الرجل من خادمه كوب ماء, ليس للخادم هنا اختيار، فهو يجب عليه أن يأتي بكون ماء لا بشيء غيره، ويجب عليه أن يأتي به الآن وفي مكان طلبه وليس في وقت آخر. لكن: الاستجابة تكون متعلقة بالرجاء الذي يصدر من الأدنى إلى الأعلى! ولأن الرجاء صدر من الأدنى إلى الأعلى فيكون للمستجيب كل الاختيار بخصوص وقت الاستجابة ونوع ما يستجيب به . فمثلا الابن يرجو من أمه كوب ماء,  للأم هنا الاختيار، فهي يمكن أن ترى المصلحة في أن تأتي له بكوب ليمون بدلا من الماء، ويجوز أن ترى المصلحة في أن تأتي به في وقت آخر غير وقت الرجاء.   والعبد يدعو الإله رجاءا لا أمرا، والإله يستجيب لا يلبي.  فإذا علمنا هذه الحقائق زال الالتباس بخصوص اسئلتك 

 حسنا: ماذا عن آخر سؤال؟ لو دعى البوذي غير الله وتحقق ما معنى هذا؟ أولا معناه أنه أخذ بالأسباب، ثانيا معناه أن الله أراد تفعيل الأسباب! فليس معنى أنه يدعو غير الله أن الله سيعطل الأسباب. صحيح الله يستطيع ذلك، لكن الله لم يضع الأسباب في الكون لتتعطل مع الكافر ولتوافق المؤمن.


أهم 10 مفاهيم مغلوطة أدت إلى تخلف مسلمي هذا الزمان


سبق وأن قلت مراراً أن العلة ليست في تركنا للدين، لكن العلة هي في فهمنا الخاطئ للدين والتوهم أننا ذوو دين. المشكلة في الأساس فكرية، وتتصل بالعقيدة اتصالا مباشراً وفيما يلي بعض أعراض مرض تشوه العقيدة الذي استفحل في زماننا بين أناس يظنون أنهم على خير. 
1- اختلال مفهوم التوكل، ففي الوقت الذي يعتبر التوكل عبادة قلبية ينبغي أن تشحذ الهمة ولا تهبطها، يُحِل الكثيرون التوكل محل العمل.
2- يسأل معظم الشباب هل نحن مسيرون أم مخيرون، والسؤال في ذاته علامة أن الشاب يشك أنه مخير، وكونه يشك في هذا فمعناه أنه لا يعرف دوره في هذا الكون، فلم يكن الله ليجعل كائنا مسيرا بالكلية خليفة في هذا الكون! فضلا أنه لا يعلم معنى المسئولية، فالمسير غير مسئول ولا مهتم بما حوله، هو لا مبال، فهو بالكاد مسير، وحيث أنه مسير فإن عمله لا قيمة له لأن كل شيء سيكون بغض النظر أأراد أن يكون أم لم يرد، فحتى ما يتوهمه من عمل تحصيل حاصل لا غير. 
3- قضية حتمية القدر وعدم مشاركتنا فيه، وهو ذو علاقة وطيدة بقضية توهم تسيير و اللامبالاة المتولدة تلقائيا من كليهما، فرزقك لن يأخذه غيرك، وهو كلام صحيح يقال غالبا في موضع خطأ، فموضعه الصحيح أن يقال لطمأنة من يخشى العوز بعدما بذل كل ما في وسعه، لكنه يقال في أي وقت واي مناسبة، وطبيعي أنه إن كان رزقي لن يأخذه غيري فلماذا اعمل اصلا؟! 
4- مفهوم العبادة والتوهم أنها هي ذاتها الشعائر، وعدم فهم العبادة على أنها الحياة بما فيها، وترقيع الخرق الناتج عن هذا الخلل بأقوال مثل أن العاديات تتحول إلى عبادات إن نويتها لله، وما هي هذه العاديات؟! {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} والاختلال في هذا المفهوم أدى لرضا الموظف الكسول والطالب البليد عن نفسه من الناحية "الدينية" إن هو أتقن الشعائر! فهو بذلك يتقن العبادة! والواقع أن الملحد يعمل لأنه يخشى على أن يموت جوعا أن لم يعمل، أما مسلم هذا العصر فهو في الغالب مطمئن أن رزقه لن يأخذه غيره من جهة، ومن جهة أخرى لا يعد العمل عبادة، فما قيمة العمل إذًا؟!! . 
5- اختلال مفهوم الدعاء (والتضامن مع اختلال مفهوم القدر) ، والتوهم أن الدعاء بديل العمل، وسد الخرق الناشيء عن هذا الخلل بقول مثل "فلنأخذ بالأسباب"، وكأن الأسباب أمر صوري، لكن الدعاء هو كل شيء، فنحن نأخذ بالأسباب فقط حتى نريح ضمائرنا، فكل عمل هو تحصيل حاصل لو دعونا الله! بل كل عمل تحصيل حاصل لأن ما قدره الله سيقع، بالعمل أو بدونه! 
6- سوء فهم حقيقة أننا لن ندخل الجنة بعملنا، فإن كان الأمر كذلك فلماذا العمل أصلا؟ يكفي الاستغفار والدعاء، والحق أن العمل الصالح هو سبيل الجنة وليس ثمنا لها. 
7- اختلال مفهوم العمل الصالح، ففضلا أن الأغلب يفصلون "الذين آمنوا" عن "وعملوا الصالحات" ويهدمون الوحدة بين الشطرين، إلا أن الأغلب يفهم العمل الصالح أنه الصدقة والزكاة وباقي الشعائر، ولا يعدون التفوق في العلوم وفي الحياة عموما واستخدام هذا التفوق في الإصلاح من العمل الصالح!
8- اختلال مفهوم الابتلاء والتوهم أن ما نحن فيه اليوم من هوان قد يكون بسبب أن الله يبتلينا، ونسوا أو تناسوا {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}، نسوا ان هذا وعد الله، وحيث أن الله لم ينصرنا فلا يوجد إلا احتمال واحد. أننا لم نصره! ونسوا أو تناسوا وعدا آخر {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} ، وحيث أن الله جعل للكافرين علينا كل السبل فلا احتمال إلا أننا لسنا بمؤمنين حقا.
9- اختلال مفهوم أن العبد يُحرم الرزق بالمعصية يصيبها، بأن يتوهم أغلب من لديهم هذا المفهوم - وهو مفهوم صحيح - أن المعصية لا تشمل التقصير في العمل! مع أن التقصير في العمل من الطبيعي جدا أن يؤثر على الرزق!
10- اختلال مفهوم العلم الشرعي أو الديني، والتحدث عن العلوم المادية أنها أقل شأنا، مع أن الحق أن كل العلوم ينبغي أن تكون علوما دينية، فما الذي يجعل الفيزياء أو الأحياء أو غيرهما من العلوم المادية علما غير ديني؟ فبالعلوم المادية نعرف الله، لأن معرفة الله يكون عن طريقين متكاملين، كتابه وخلقه! وبها نجاهد في سبيل الله! وهذا التفريق يجعل المسلم المتدين ينظر بدونية للعلوم المادية، حتى إن من الناس من يفسر "طلب العلم فريضة على كل مسلم" أنها العلوم الشرعية، ومنهم من يخرج العلوم المادية من إطار العلوم ويسميها فنونا!! وهكذا يتأكد أن الخلل في الأساس هو خلل مفاهيم، ولا يمكن أن نتقدم خطوة للأمام إلا لو تخلينا عن حسن الظن بأنفسنا أننا نفهم الإسلام ونتأمل هذه القضايا الشائكة ونطهرها من كل ما حدث فيها من تلبيس وتدليس على الناس لصالح أعداء الأمة 
----
أحمد كمال قاسم