الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

الجنّة ..


الجنة هي ثلاث جنات
_____
1- جنة آدم الأولى التي ضمن لآدم فيها الرزق دون عمل
.
﴿وَقُلنا يا آدَمُ اسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا مِنها رَغَدًا حَيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمينَ﴾
[البقرة: ٣٥]
.
والجنة التي يعيش فيها كل طفل قبل مرحلة البلوغ هي ظل جنة آدم الأولى على الأرض.
..
2- جنة الستر - المادي والمعنوي- ونعيم الطاعة والتقوى
.
وهي حالة وليست مكانا
وهي جنة يعيش فيها كل متقٍ لربه في الدنيا :
﴿يا بَني آدَمَ قَد أَنزَلنا عَلَيكُم لِباسًا يُواري سَوآتِكُم وَريشًا وَلِباسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ ذلِكَ مِن آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ﴾
[الأعراف: ٢٦]
وهي الجنة التي عاش فيها آدم وزوجه قبل الأكل من الشجرة.
والخروج منها - بالنسبة لآدم وزوجه - كان بسبب غواية الشيطان، والشيطان دائما يحاول إخراج بني آدم منها
﴿يا بَني آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ كَما أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوآتِهِما إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم إِنّا جَعَلنَا الشَّياطينَ أَولِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ﴾
[الأعراف: ٢٧]
فالخروج من جنة الستر ونعيم الطاعة والتقوى كان بدايته - أو ربما المكافئ له - هي: "ينزع عنهما لباسهما"
وهي ما قال عنها الله هنا "مما كانا فيه" أي من جنة الستر التي هي حالة كنا ذكرت.
﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطانُ عَنها فَأَخرَجَهُما مِمّا كانا فيهِ وَقُلنَا اهبِطوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حينٍ﴾
[البقرة: ٣٦]
.
والخروج من جنة الستر كان علامة - وليس سبب - الخروج من الجنة الأولى لأداء مهمة الخلافة في الأرض
﴿وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً قالوا أَتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمونَ﴾
[البقرة: 30]
فالخروج من الجنة الأولى لم يكن عقوبة لأن الله أخرج آدم منها بعد توبته وقبول توبته
﴿قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ۝قالَ اهبِطوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حينٍ۝قالَ فيها تَحيَونَ وَفيها تَموتونَ وَمِنها تُخرَجونَ﴾
[الأعراف: ٢٣-٢٥]
.
﴿فَتَلَقّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ﴾
[البقرة: ٣٧]
.
3- جنة الخلد
.
وهي في الآخرة، وهي الجنة التي تجمع بين الجنتين السابقتين، ففيها الرزق المضمون دون عمل، وفيها النعيم المقيم، وفيها الستر, الستر عن كل ما يسوء الإنسان (السوءة بمعناها العام)، سترُ أثر التقوى في الدنيا، ذلك الستر الذي يستمر إلى الأبد.
والله أعلم

الأحد، 12 نوفمبر 2017

كف عن التماس الأعذار، وتب لربك!

وكأن الشيطان - من حقده على آدم لاصطفاء ربه له للخلافة - أراد أن يثبت لآدم أنه لا يستحق, بل أنه ليس بأفضل منه فكلاهما عاص لله, فأراد أن يبين له سوءته وهي أنه قابل لمعصية لربه ...
لذلك قام بإغوائه
فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿الأعراف - 22﴾

وكأن ما فعله آدم وزوجه عندما طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنوة هو تسويغ المعصية والتماس الأعذار لأنفسهما حتى لا يظهرا أمام أنفسهما بمظهر العاصي لربه, أي حتى يسترا السوءة التي ظهرت, وهي أنهما قابلان لمعصية الله.

لكن الله لم يتركهما لبراثن الشيطان. لم يتركهما لاحتقار الذات ومحاولة التماس الأعذار لنفسيهما, فعلمهما التوبة .."فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ" فقاما بالتوبة لربهما معًا "قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" فقبل الله التوبة منهما "فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "

فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿البقرة - 37﴾

قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿الأعراف - 23﴾

وأعطى الله لآدم وزوجه الحل الدائم لمكر الشيطان بهما وعدم رؤية سوءاتهما وهو ارتداء "لباس التقوى"
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴿الأعراف: ٢٦﴾

لكن الشيطان لم ييأس ولن ييأس من تذكير الإنسان أنه عاص وأنه لا أفضلية بينهما, ومن إخراجه من جنة التقوى التي هي كامنة في صدر كل متق لربه في الدنيا والآخرة

يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿الأعراف: ٢٧﴾

فالشيطان دائما وأبدا يريد غوايتنا إلى المعصية, وذلك بنزع لباس التقوى عنَّا فنرى سوءتنا, أي نرى أننا عاصون لربنا ونحتقر ذواتنا.

والشيطان وقبيله تميز عنا بأنه يرانا من حيث لا نراه, فيوسوس لنا لنعصي ربنا ونحن ربما نتوهم حينها أن هذه من وسوسات النفس وذلك لأننا لا نراه, وأيضا الشيطان يستمتع برؤية سوءتنا (معصيتنا لربنا) حينما نعصى وذلك دون أن نراه, ضاحكا منتشيا مسرورا دون أن ننتبه لهذا, وذلك لأننا لا نراه "إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ"

لكننا عرفنا الدواء فلا ينبغي لنا أن نعطي الشيطان فرصة أن يشمت بنا نتيجة رؤيتنا سوءاتنا حينما نعصي - يشمت بنا عندما نغرق في بحار اليأس واحتقار الذات. والدواء هو ذاته "التوبة", فكلما أغوانا الشيطان كما أغوى أبوينا, يجب أن نتوب إلى الله كما تاب أبوانا دون أن نسوغ لأنفسنا المعصية ولا أن نلتمس الأعذار, فنقول بقلوبنا كما قال أبوانا

قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿الأعراف - 23﴾

فيتوب الله علينا, ونلبس لباس التقوى من جديد بعد أن نُزِع عنّا, وتعود لنا ثقتنا بأنفسنا بفضل الله ويندحر مكر الشيطان إلا أنه لا ييأس أبدا, ويكرر محاولاته طالما ظلننا على الصراط المستقيم

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿١٦﴾ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴿الأعراف 16-17﴾

ويقول الشيطان في نهاية كلامه أن أكثر البشر لا يشكرون, لا يشكرون نعمة تعليم الله التوبة لآدم فيتوبون, بل تجدهم يسارعون دائما لالتماس الأعذار فيخصفوا على سوءات معاصيهم بأوراق التماس الأعذار للنفس وعدم التوبة فيكونوا من الهاكين.

والله أعلم

العبادة ..!


يخطئ معظم مسلمي اليوم بالخلط بين العبادة بمفهومها العام وبين الشعائر التعبدية أو (العبادات)، فالعبادة هي وظيفة الإنسان التي يريدها الله له في هذا الكون، ولهذا فقد قال جل شأنه
﴿وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ﴾
[الذاريات: ٥٦]
وقال في موضع آخر
﴿قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ۝لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسلِمينَ﴾
[الأنعام: ١٦٢-١٦٣]

فالعبادة هي مرادف لحياة المسلم الحق، كل حياته، وهي مرادف لخلافته في الأرض، ولتلبية استعمار الله له هذا الكون.

الشعائر التعبدية
-------
أما الشعائر التعبدية من صلاة وصيام وزكاة وحج ... ، هذه الشعائر هي وقفات يقف فيها الإنسان ليتحول بكامل إرادته من مُخيَّر إلى مُسيَّر لإرادة الله، امتثالا وحبا، ورغبة ورهبة. ففيها يكون كل شيء توقيفي، نفعل مثلما أمرنا الله تماما، وذلك حتى نقول لله بلسان حالنا: ها نحن نشكرك يا ربنا على منحك إيانا حرية الإرادة، فنعود طواعية في مواطن معينة (وهي الشعائر) كالكون الجامد والملائكة:
﴿وَلِلَّهِ يَسجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ مِن دابَّةٍ وَالمَلائِكَةُ وَهُم لا يَستَكبِرونَ۝يَخافونَ رَبَّهُم مِن فَوقِهِم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ﴾
[النحل: ٤٩-٥٠]
نعود طواعية مسيرين كالكون الجامد والملائكة حتى ننطلق بعدها عابدين لك بحرية إرادتنا بإعمارنا الأرض وتحقيق استخلافك إيانا فيها.
.
وفي أثناء هذه الشعائر نستمد الطاقة، طاقة "تقوى الله":
﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اعبُدوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم وَالَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾
[البقرة: ٢١]
.
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾
[البقرة: ١٨٣]

" تقوى الله" التي نغذي بها أرواحنا فتتحول بعد هضم قلوبنا وعقولنا لها إلى "ذكر الله" في كل شئون حياتنا ، فنحيا في سياج من ذكرٍ لله بقلوبنا وعقولنا في أمور حياتنا كلها، سياج ينهانا عن كل ما لا يرضي الرب أثناء رحلة خلافتنا في الأرض وتلبيتنا لاستعمار الله لنا فيها.
﴿اتلُ ما أوحِيَ إِلَيكَ مِنَ الكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكبَرُ وَاللَّهُ يَعلَمُ ما تَصنَعونَ﴾
[العنكبوت: ٤٥]

فذِكر الله هو النتيجة الطبيعية لتقوى الله التي نشحن بها أرواحنا في الشعائر التعبدية، وذلك حتى يصاحبنا ونصاحبه في كل حركة وسكنة في حيواتنا في هذا الكون.

فالغرض الأساسي إذًا من الشعائر ليس هو ذات الشعائر، بل هو ذكر الله المتولد تلقائيا عن تقوى الله، فمن غير المتصور أن تكون وظيفتنا في الكون هي القيام بالشعائر وحسب، بل وظيفتنا هي الخلافة في الأرض وإعمارها في ظل تقوى الله وذكره، ولهذا شُرعَت الشعائر التعبدية.

﴿وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً ... ﴾
[البقرة: ٣٠]
﴿ ... هُوَ أَنشَأَكُم مِنَ الأَرضِ وَاستَعمَرَكُم فيها فَاستَغفِروهُ ثُمَّ توبوا إِلَيهِ إِنَّ رَبّي قَريبٌ مُجيبٌ﴾
[هود: ٦١]

مغالطة خطيرة
---------
وهي مغالطة التوهم بأن اتخاذ النية الصالحة في "العادات المباحات" هو أمر اختياري يحولها من عادات - لا إثم فيها ولا ثواب - إلى عبادة، وأن اتخاذ هذه النية هو أمر إضافي لا حرج من تركه!
وهذا يعارض النصوص القرآنية المحكمة
مثل:
﴿قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ۝لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسلِمينَ﴾
[الأنعام: ١٦٢-١٦٣]
وانتبه لـ "وبذلك أُمِرت"
وقوله تعالى:
﴿اتلُ ما أوحِيَ إِلَيكَ مِنَ الكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكبَرُ وَاللَّهُ يَعلَمُ ما تَصنَعونَ﴾
[العنكبوت: ٤٥]

فإن ذكر الله المستمر من الصلاة للصلاة ليس أمرا اختياريا، فالمسلم الحق هو من خلصت حياته لله ولم يفعل فعلا إلا إن كان المقصود به رضا الله. وإلا فإن كان ذكر الله قلبا وعقلا أمرا اختياريا لم يتحقق قوله تعالى "ولذكر الله أكبر" وكنا من الغافلين المقصرين التاركين لما هو "أكبر" ، وكان أمرنا كالذي يشحن هاتفه المحمول خمس مرات يوميا ثم يغلقه ولا يستخدمه بين المرة والأخرى! فالغرض من شحن الهاتف هو استخدامه، وليس هو ذات الشحن!
.
ما ينبني على هذه المغالطة
-------------
وما ينبني على هذه المغالطة في فهم وظيفة الإنسان في هذه الكون وموقع الشعائر من هذه الوظيفة هو تركيز المسلم على الشعائر التعبدية وعدم الاكتراث الكافي - إلا على سبيل الزيادة والفضل اللذين لا يضر غيابهما - بالحياة ذاتها، عدم الاكتراث الكافي بصلب الخلافة في الأرض، بصلب العبادة التي هي الحياة بأسرها. وبناءً على هذا الخلل الخطير يكون المسلم قد أسقط الركن الثاني في الفلاح وهو "العمل الصالح"، والذي يقترن دائما بالركن الأول وهو الإيمان (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، أو على أقصى تقدير حصره في الشعائر التعبدية وفي الصدقات، وقصره عليهما، وفرَّغ مضمون الحياة نفسها من "العمل الصالح" الذي هو إتقان (إحسان) كل شيء في هذه الحياة من أجل تحقيق مهمة الخلافة في الأرض وإعمارها.
ففي الحديث (إن الله كتب الإحسان على كل شيء...).. الحديث
وفي الحديث ( ... أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك)
والعبادة بهذا المفهوم هي مراقبة الله في كل أحوال الحياة لإتقانها وإحسانها، وليس فقط في الشعائر.

وقصر مفهوم الإحسان على الشعائر هو كالمخدر الذي يتعاطاه مسلمو اليوم كي يعذرون أنفسهم في الخيبة في الميدان المادي، وهذا أعده سببا طبيعيا جدا لكل ما يعانيه المجتمع المسلم من ضعف مهين وقوة خائرة، فلا هو قد ربح الدنيا ولا هو قد ربح الآخرة.

الخلاصة :
------
يجب تصحيح مفهوم العبادة عند المسلم المعاصر، بأن العبادة هي وظيفتنا في الحياة الدنيا، وأنها يجب أن تشمل كل مناحي الحياة، وأن الإحسان هو مطلوب في كل شيء، في الشعائر، وفي تحصيل العلم المادي، واستخدامه لتطور المسلمين ورفعتهم بالعمل الصالح بمفهومه الصحيح الشامل، وفي الدعوة العملية إلى الإسلام.
.
ويجب التركيز على أن كلا من النية الصالحة والوجهة الصالحة والكيفية الصالحة في كل أعمال الحياة ليسوا أمورا اختياريا بل هم صلب العبادة ومضمونها الأصيل.
.
وأخيرا أذكر بالقانون العمري الخالد "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله"
و"غيره" ليس كما يفهم الكثير هو ترك الإسلام فقط، بل هو أيضا فهم الإسلام ومفهايمه الجوهرية فهما مغلوطا أو منقوصا أو كليهما.