الخميس، 27 نوفمبر 2008

اللطيف الخبير

السلام عليكم
قياس النظام يغير من حالته
إن المُطلع على علم الفيزياء لا يُخطئ حقيقةً هامةً ألا وهي أن قياس أي نظام طبيعي لابد وأن يعبث بحالته الأصلية فتكون النتيجة أننا لا نستطيع أن نرى نتيجة قياس مطابقة تمامًا لواقع النظام الطبيعي قبل عملية القياس. وهنا تتجلى حقيقة أخرى مرتبطة بالأولى ألا وهي أنه كلما زادت رغبتنا في الحصول على نتائج أدق يزيد تلقائيًا العبث بحالة النظام وبالتالي قلت دقة قياس النظام!! والعكس صحيح فكلما قل العبث بالنظام أثناء القياس قل تأثيرنا على حالة النظام الأصلية ولكن قل معه تمكننا من القياس لهذه الحالة الأكثر قربًا للواقع. وهنا تأتي الحقيقة الأكثر إيلامًا في علم الفيزياء أننا كبشر لا نستطيع أن نحصل على قياس دقيق أبدًااً لأننا لا نستطيع القياس بدون تغيير موضوع القياس وهو النظام الفيزيائي.
في عبارة موجزة:
كلما "ترفقنا" (تلطفنا) في التأثير على النظام أثناء قياسه كلما قلت "خبرتنا" بهذا النظام فيستحيل علينا كبشر أن نتلطف مع الخبرة فإما نتلطف ونفقد خبرة وإما لا نتلطف ونفقد أيضًا خبرة كما أوضحنا اعلاه!! فيالَ ضعفنا ويالجهلنا المغروس في خِلقتنا!!
أمثلة واقعية للتوضيح
1- قياس موضوعًا كميًا في العالم الذري (الكمي): إن الكترونًا قد يكون كمية تحركه الزاوي له اتجاهان متعاكسان متراكبان في نفس الوقت فقد يكون اتجاه هذا الزخم لأعلى بنسبة 40% واتجاهه لأسفل بنسبة 60%. ولا يُعد هذا تناقضًا في عالم ميكانيكا الكم فالالكترون يمكن أن يلعب عدة أدوار على مسرح الكون في "آن واحد" طالما لم يقسه بشر!! فإذا هَمَ بشرٌ بأن يعلم (يخبر) حالة الالكترون وقع للالكترون شئ نسميه "انهيار الحالة الكمية". ففي حالتنا مثلًااً تنهار الحالة الكمية لكمية التحرك الزاوي عند القياس لتكون إما لأعلى أو لأسفل باحتمالية 40% إلى 60% بالترتيب.
ماذا حدث هنا؟
لقد تغيرت حالة الالكترون عند القياس لأننا لم نتلطف في القياس!! فعلمنا بحالته يؤثر عليها حتى لو لم نستخدم أي قدر مذكور من الطاقة في قياسنا!! وبالتالي فإننا نقيس حالة غير التي كان عليها. أما إذا تلطفنا فإننا لن نقيس وبالتالي لن نحصل على أية معلومة!!! ياله من تناقض مكتوب علينا نحن البشر بين اللطف والخبرة!!

2- مثال أقرب للعالم الماكروسكوبي: وهو مثال استخدام مقياس لفرق الجهد في دائرة كهربية. إن آلة قياس فرق الجهد بين نقطتين في دائرة كهربية تحتاج الى تيار وإن قل لكي يديرها. هذا التيار يعبث في حالة الدائرة المقاسة وبالتالي فإنه لابد إن أردنا من قياس فرق جهد بين نقطتين ألا تكون الكمية المُقاسة هي نفسها الكمية الحقيقية قبل القياس. فإذا تلطفنا في جهاز القياس وجعلناه لا يستهلك تياراً, كانت النتيجة أن يتوقف عن القياس ولم نستطع أن نختبر فرق الجهد المُراد قياسه!!!
ياله من مثال آخر يوضع عجزنا عن الخبرة بدون عبث بالمُختَبر لأننا لن نكون لطفاء معه إذا أردنا فعلاً قياسه! أما لو كنا لطفاء فلن نتفاعل مع المُختبَر أصلًا وبالتالي سنعجز أيضًا عن الخبرة بحالة المُختَبَر !!.

اللطيف الخبير
اللطف في العمل هو الترفق فيه (مُختار الصحاح). يفاجئنا القرءان الكريم بهذه الآية التي تدفع من يتدبرها أن يخر ساجدًا لله اعترافًا بعظمته وقدرته على كل شئ
قال تعالى:
"أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"
صدق الله العظيم
إن الله تعالى هو الوحيد الخبير بحال كل شئ في هذا الكون خبرةً أصيلة بدون التأثير على حالته مع علمه التام به لأنه لطيفٌ سبحانه. إن الله تعالى هو خالق الكون بأسره وهذا هو سر علمه به بدون الحاجة لقياسه فهو خبير لأنه الخالق ولطيف لأنه لايحتاج إلى القياس أصلًااً حيث أنه عليمٌ تمام العلم بحال خلقه بداهةً.
فسبحان الله اللطيف الخبير الذي تفرد بهاتين الصفتين مجتمعتين دونًا عن الوجود بأكمله.

والله أعلم

تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

السبت، 22 نوفمبر 2008

قيومية الله

السلام عليكم

إمساكه تعالى لقوانين الطبيعة
إن لكل حدث سبب ولكل سببٍ سببٌ يعتمدُ عليه فإذا تتبعنا سلسلة الأسباب لكل حدث على انفراد لوجدنا اننا تقابلنا في النهاية مع أحد قوانين الطبيعة كبداية لسلسلة الأحداث التي تتبعناها ولكننا عند تلك النقطة نجد أنفسنا مجبورين أن نسأل سؤالاً مهما:
ما سبب قوانين الطبيعة؟ من الذي يمسك هذه القوانين حتى لا تنهدم فتنهدم سلاسل الأسباب المتصلة بها؟

يقول الله تعالى خالق الكون ومدبره في القرءان الكريم
"إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا "

صدق الله العظيم

وضعه تعالى لقوانين الحفظ
إن المتأمل في قوانين حفظ الطاقة وكمية التحرك الخطية والزاوية وغيرهم من قوانين الحفظ يجد نفسه إن كان نابهاً غير غافل معترفاً أن الأصل في الأشياء هو الزوال! فالطاقة مخلوقة من لاشئ وتتوق أن تعود لأصلها دائماً وهو اللاشئ!
ولو تأملنا نوعاً من الطاقة وهو طاقة الوضع لوجدناها تشير ببنانها إلى هذه الحقيقة الخفية الجلية! نجد أن وضع الارتياح للجسم المقترن بطاقة وضعه أن يكون له أقل طاقة وضع ممكنة.
هكذا الأمر مع طاقة الكون إجمالاً وتفصيلاً. فطاقة الكون أصلها العدم ونقلها من العدم إلى الوجود يحتاج وجود عظيم لا يخضع للزمان والمكان وقوانينهما. هذا الوجود الأعظم هو الله تعالى وهو الذي أنشا الكون من لا شئ وأمسكه ألا يعود لحالته الأصلية مرة أخرة بقيوميته على الكون وحفظه له.
وينبغي عليك أيها المسلم ان تحمد الله أنك تسيقظ من نومك كل صباح لتجد بيتك هو هو وتجد عربتك هي هي وفي مكانها الذي تركتها فيه بالأمس و ذلك لأنه كما قلنا الأصل دائما هو اللاشئ. فالأصل ألا تجد بيتك ولا سيارتك ولكن وجودهما يدل على ذات عليا تقوم على أمر الكون تحفظ لنا الطاقة من الزوال (والذي يُسمى قانون حفظ الطاقة).
إن مكتشفي قانون حفظ الطاقة من غير المسلمين استراحت قلوبهم وعقولهم بقانون الحفظ ولكنهم نسوا أو تناسوا هذا السؤال المهم:
إذا كان هناك ثمة قانون لحفظ الطاقة, فمن هو الحافظ؟
إنه من العبث الفكري أن نفكر أن القانون هو الذي يحفظ ولكن الحقيقة أن القانون يخبرنا عن حفظ الله تعالى للطاقة كخالقٍ لهذا الكون, قيومٍ على أمره, ماسكٍ له أن يزول كما ورد في الآية الكريمة أعلاه.

إمساكه تعالى للكون من الانهيار تحت تأثير الجاذبية
إن الكون إذا تُرك تحت قوى الجاذبية بدون امساك من الله تعالى لهذا الكون أن يتلاشى لتحطم من قبل أن يُولد
قال تعالى
"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ "
صدق الله العظيم
ولكي يتم هذا الإمساك الذي يعادل الجاذبية بل ينتصر عليها فقد قضى الله عز وجل أن يكون مُتَسِعاً اتساعاً محسوباً لحكمة يعلمها
قال تعالى
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ
صدق الله العظيم
فالله تعالى يمنع انهيار الكون بهذا الاتساع وأيضاً يمنع هذا الاتساع من التسبب في انفجار الكون كفقاعة الصابون وذلك بقوى الجاذبية الكونية
قال تعالى
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ
صدق الله العظيم

الخلاصة:
1-إن الله تعالى لم يخلق الكون ليتركه هملاً كما ادعت بعض الفلسفات القديمة ولكنه قيوم عليه مدبر لأمره.
2- يجب على المسلم أن يشكر الله تعالى باستمرار على قيوميته الدائمة على أمره وأمر الكون من حوله.

والله أعلم

تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم