الأربعاء، 11 أغسطس 2010

الصيام والحياة الربانية

السلام عليكم

ماهو الصيام؟
إن صيام رمضان هو ركن من أركان الإسلام الخمسة ويتحقق بنية الصيام وبالإمساك عن المفطرات المُحددة شرعًا في نهار رمضان.

الفرق بين الصيام وغيره من العبادات
إن غير الصيام من العبادات كالصلاة هي عبادات يأتي المسلم فيها بأعمال وأقوال مشروعة, ويقيمُ هذه الأعمالِ والأقوالِ النيةُ والخشوع والتدبر.
المتأمل في الصيام يجد أنه بدلًا من أن يأتي المسلم فيه بأعمال وأقوال كغيره من العبادات, يمتنع فيها عن عمل شئ من المفطرات, بينما ليس مطلوبًا من المسلم أن يأتي بأي عمل جسدي أو قولي كجزءٍ من الصيام!
إذن فالصيام عبادة امتناعية تركية, يمتنع فيها المسلم عن مجموعة من المباحات, على خلاف باقي العبادات التي يأتي فيها المسلم بمجموعة من الأفعال التعبدية.
هذا من ناحية الجسد الذي يمتنع ويمسك, فما بالُ الروح والقلب؟
إن الصيام هو تدريب للمسلم أن ينشغل فقط بالخشوع وإحساس القرب من الله عز وجل دون أن يأتي بأي فعل تعبدي متعلق بالصيام! ولكن هل يوجد خشوعٌ بدون أفعال تعبدية تكون محلًا له؟! نعم, وهذه هي غاية الصيام العُظمى وهي القرب من الله والخشوع له خشوعًا يُزهرُ ويُثمر ويَحلو بمرور الزمن فقط على الصائم. إنه ينغمس في عبادة روحية وقلبية تجعله يشعر كل لحظة بمراقبة الله له! وهذا القرب والخشوع لا يقطعه أي عمل عبادي كالصلوات المفروضة أوعمل عادي كعمل الموظف في وظيفته وعمل الزوجة على رعاية أبنائها, وعليه فإن الغاية الكبرى من هذا الخشوع المستمر هي اتقاء إغضاب الله في أي صغيرة أو كبيرة, أو بمعنى آخر هي التقوى.
قال تعالى
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "
صدق الله العظيم

الحياة الربانية
إن الاستفادة من شهر رمضان كل عام يكون بتجديد التدريب على عبادة الخشوع المطلق لله الذي لا يرتبط بعادة أو بعبادة أخرى, بل هو خشوع مرتبط بالحياة ذاتها, لا ينفك عنها وكأنه هو نفسه الحياة وكأن الحياة هي نفسها الخشوع. وهنا يأتي مفهوم "الحياة الربانية", يأتي هذا المفهوم ثمرةً لفهم الغاية من الصوم وممارسة هذا الفهم بالروح والقلب.
إن الحياة الربانية هي الحياة التي يكون مرور الزمن على المسلم في ذاته عبادة روحية وقلبية بالخشوغ والخضوع والذل لله رب العالمين الكبير المتعال, وعليه فهي تحقق وظيفة الإنسان في الأرض ألا وهو استمرارية العبادة لله وعدم انقطاعها.
قال تعالى
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ"
صدق الله العظيم
فالعبادة ينبغي ألا تكون متقطعةً فقط, مثلًا كالصلوات المفروضة, بينما يكون ما بينها خربٌ خاوٍ من أي عبادة! لا ليس هذه هي وظيفة الإنسان في الأرض. إن وظيفته أن يعبد الله في كل وقت وحين, في كل زمان ومكان, أن تكون قدمه ملتصقة بالأرض بينما روحه وقلبه وفكره محلقٌ في السماء. ويتخلل تلك الحياة الربانية الخاشعة لله بقية العبادات من صلاة وزكاة وحج وجهادٍ في سبيل الله والتفكر والتدبر في خلق الله.
وهذا هو سر تسمية الحياة كلها بانتمائها لرب الكون أي كونها حياةً ربانيةً في قول الله تعالى
"قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"
صدق الله العظيم

الخلاصة
يروض المسلم نفسه على الحياة الربانية بصيام رمضان كل عام. الحياة الربانية التي ينبغي خلالها على المسلم أن يحيا خشوعًا لله رب العالمين, يستشعر في كل لحظةٍ فيها جبروته وعظمته وعفوه ورحمته. وتُعدُ الحياة الربانية بهذا الوصف في هذا المقال هي التقوى بعينها, فمن يجعل حياته كذاك, يسير على الطريق المستقيم الذي ارتضاه الله لعباده لا يضل ولا يغضب ربه.

اللهم اجعلنا من المتقين الذين يحيون لك.

والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

اللهم إنا نعوذُ بكَ أن نكونَ جسرًا يعبرُ الناسُ عليه إلى الجِنان ثم يُلقى بهِ في قعرِ النيران

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

لا تعمل لدنياك!!

السلام عليكم

اشتهر على الألسنة القول "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا, واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا"
وهذا القول ليس بحديث ولم يصح سندًا حسب علمي نسبته إلى أحد الصحابة
ولكن العامة يعدونه إما حديثًا شريفًا أو قولًا حكيمًا ويقولون لك "الحكمة ضالة المؤمن"

هل المقولة صحيحة؟
لنختبر هذا القول "اعمل لـــ", عندما نعمل لـــ "شئ ما" فإنما نعمل ابتغاء الحصول على هذا الشئ!!
فهل من الصحيح أن نعمل للدنيا؟ بحيث تكون الدنيا غايتنا؟

قال تعالى
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ"
صدق الله العظيم

وهذه الآية الكريمة تحدد وظيفتنا في الحياة وهي العبادة, وهل العمل لبلوغ الدنيا "كغاية" من العبادة؟

ولكن الله تعالى فسر لنا مراده منا في الدنيا بقوله
"قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"
صدق الله العظيم

إن هذه الآية حددت غاية نبي الله إبراهيم وهى رضا الله رب العالمين, والمتميز في هذا النص أنه يحل المعضلة! المعضلة التي ربما ثارت في عقول القارئين, ألا نعمل لدنيانا؟ أنصلي ونصوم ونحج فقط؟ وكيف هذا وقد أمرنا الله بالسعي في طلب الرزق؟
نص الآية الكريمة يجيب جوابًا بديعًا على هذه المعضلة
إنه يرسخ مبدأً جديدًا وأصيلًا في الآن ذاته فقد قررت الآية أن الدنيا ذاتها يجب أن تكون لله وذلك لأن المحيا هو الدنيا وعليه فإن عملنا لا يكون للدنيا بل يكون في الدنيا لبلوغ الآخرة بأمان ودخول الجنة والنجاة من النار

فإذا أردنا أن نصحح العبارة المشهورة "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا, واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا"

فإننا نقول

"اعمل في (دنياك) لــ (آخرتك) كأنما تعيش أبدًا"

فالعمل هو كقطف الثمار التي نبتت على الشجر الطيب في طريق الدنيا والتخلص من ثمار الشجر الخبيث المكتظ في الطريق, التخلص منه مهما زها لونه وفاحت رائحته. تلك الثمار التي ينبغي أن نقطفها من الشجر الطيب هي التي يجب أن نقتات عليها حتى نبلغ باب الجنة.
لكن علينا أن نعلم أن هذا الوصول للباب لا يكفي لأن ندخله, فلا ندخله إلا أن يتغمدنا الله برحمته فيفتح لنا


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (صحيح البخاري):

لن يدخل أحدا عمله الجنة . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة ، فسددوا وقاربوا ، ولا يتمنين أحدكم الموت : إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا ، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب

و عملنا في دنيانا عملًا يبلغنا الآخرة فيجب أن يكون عملًا آخذًا في الاعتبار مستقبل الدنيا كأنما نعيش أبدًا

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي صححه الإمام الألباني على شرط مسلم :
"إن قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة, فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها"

كيف نعمل في الدنيا للآخرة؟
العمل في الدنيا للآخرة يكون عن طريق اتخاذ كل الوسائل للمساعدة على بلوغ الآخرة بأمان كالفرائض وذكر الله, قرءانًا وسنةً وتدبرًا في كونه الفسيح وخلقه البديع, واتخاذ كل أنواع التقنيات والابتكارات في العلوم والاقتصاد والسياسة التي تقوي من شوكة المسلمين وترفع من راية الإسلام بتبليغ الناس أجمعين دين الله, الإسلام, حق التبليغ دون تفريط.

هل الترويح الحلال عن النفس عمل للدنيا؟
إن الله أنزل الإسلام على البشر لتوائم طبيعتهم, وطبيعة الإنسان تأبى أن تكون جادة نحو العمل للآخرة دومًا دون قليل من اللهو الحلال الذي يقوي همة الإنسان نحو مواصلة العمل, فقد ورد في الحديث الصحيح (صحيح مسلم) :
"كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فوعظنا فذكر النار . قال : ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة . قال فخرجت فلقيت أبا بكر . فذكرت ذلك له . فقال : وأنا قد فعلت مثل ما تذكر . فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : يا رسول الله ! نافق حنظلة . فقال " مه " فحدثته بالحديث . فقال أبو بكر : وأنا قد فعلت مثل ما فعل . فقال " يا حنظلة ! ساعة وساعة . ولو كانت ما تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر ، لصافحتكم الملائكة ، حتى تسلم عليكم في الطرق " . وفي رواية : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم . فذكرنا الجنة والنار"

وعليه فإن الترويح الحلال عن النفس هو ليس عملًا في الدنيا

الخلاصة

لا تعمل لــ (دنياك) ولكن "اعمل في (دنياك) لــ (آخرتك) كأنما تعيش أبدًا"

واتخذ النية في كل عملٍ تعمله في دنياك أنه زادٌ لآخرتك, حتى اللهو الحلال حاول أن تتخذ فيه نية ترويحك عن نفسك به لمواصلة العمل للآخرة.

والله أعلم


سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

اللهم لا تجعلني جسرًا يعبرُ الناسُ عليه إلى الجِنان ثم يُلقى بهِ في قعرِ النيران

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم