الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

الجنّة ..


الجنة هي ثلاث جنات
_____
1- جنة آدم الأولى التي ضمن لآدم فيها الرزق دون عمل
.
﴿وَقُلنا يا آدَمُ اسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا مِنها رَغَدًا حَيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمينَ﴾
[البقرة: ٣٥]
.
والجنة التي يعيش فيها كل طفل قبل مرحلة البلوغ هي ظل جنة آدم الأولى على الأرض.
..
2- جنة الستر - المادي والمعنوي- ونعيم الطاعة والتقوى
.
وهي حالة وليست مكانا
وهي جنة يعيش فيها كل متقٍ لربه في الدنيا :
﴿يا بَني آدَمَ قَد أَنزَلنا عَلَيكُم لِباسًا يُواري سَوآتِكُم وَريشًا وَلِباسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ ذلِكَ مِن آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ﴾
[الأعراف: ٢٦]
وهي الجنة التي عاش فيها آدم وزوجه قبل الأكل من الشجرة.
والخروج منها - بالنسبة لآدم وزوجه - كان بسبب غواية الشيطان، والشيطان دائما يحاول إخراج بني آدم منها
﴿يا بَني آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ كَما أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوآتِهِما إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم إِنّا جَعَلنَا الشَّياطينَ أَولِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ﴾
[الأعراف: ٢٧]
فالخروج من جنة الستر ونعيم الطاعة والتقوى كان بدايته - أو ربما المكافئ له - هي: "ينزع عنهما لباسهما"
وهي ما قال عنها الله هنا "مما كانا فيه" أي من جنة الستر التي هي حالة كنا ذكرت.
﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطانُ عَنها فَأَخرَجَهُما مِمّا كانا فيهِ وَقُلنَا اهبِطوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حينٍ﴾
[البقرة: ٣٦]
.
والخروج من جنة الستر كان علامة - وليس سبب - الخروج من الجنة الأولى لأداء مهمة الخلافة في الأرض
﴿وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً قالوا أَتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمونَ﴾
[البقرة: 30]
فالخروج من الجنة الأولى لم يكن عقوبة لأن الله أخرج آدم منها بعد توبته وقبول توبته
﴿قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ۝قالَ اهبِطوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حينٍ۝قالَ فيها تَحيَونَ وَفيها تَموتونَ وَمِنها تُخرَجونَ﴾
[الأعراف: ٢٣-٢٥]
.
﴿فَتَلَقّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ﴾
[البقرة: ٣٧]
.
3- جنة الخلد
.
وهي في الآخرة، وهي الجنة التي تجمع بين الجنتين السابقتين، ففيها الرزق المضمون دون عمل، وفيها النعيم المقيم، وفيها الستر, الستر عن كل ما يسوء الإنسان (السوءة بمعناها العام)، سترُ أثر التقوى في الدنيا، ذلك الستر الذي يستمر إلى الأبد.
والله أعلم

الأحد، 12 نوفمبر 2017

كف عن التماس الأعذار، وتب لربك!

وكأن الشيطان - من حقده على آدم لاصطفاء ربه له للخلافة - أراد أن يثبت لآدم أنه لا يستحق, بل أنه ليس بأفضل منه فكلاهما عاص لله, فأراد أن يبين له سوءته وهي أنه قابل لمعصية لربه ...
لذلك قام بإغوائه
فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿الأعراف - 22﴾

وكأن ما فعله آدم وزوجه عندما طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنوة هو تسويغ المعصية والتماس الأعذار لأنفسهما حتى لا يظهرا أمام أنفسهما بمظهر العاصي لربه, أي حتى يسترا السوءة التي ظهرت, وهي أنهما قابلان لمعصية الله.

لكن الله لم يتركهما لبراثن الشيطان. لم يتركهما لاحتقار الذات ومحاولة التماس الأعذار لنفسيهما, فعلمهما التوبة .."فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ" فقاما بالتوبة لربهما معًا "قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" فقبل الله التوبة منهما "فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "

فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿البقرة - 37﴾

قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿الأعراف - 23﴾

وأعطى الله لآدم وزوجه الحل الدائم لمكر الشيطان بهما وعدم رؤية سوءاتهما وهو ارتداء "لباس التقوى"
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴿الأعراف: ٢٦﴾

لكن الشيطان لم ييأس ولن ييأس من تذكير الإنسان أنه عاص وأنه لا أفضلية بينهما, ومن إخراجه من جنة التقوى التي هي كامنة في صدر كل متق لربه في الدنيا والآخرة

يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿الأعراف: ٢٧﴾

فالشيطان دائما وأبدا يريد غوايتنا إلى المعصية, وذلك بنزع لباس التقوى عنَّا فنرى سوءتنا, أي نرى أننا عاصون لربنا ونحتقر ذواتنا.

والشيطان وقبيله تميز عنا بأنه يرانا من حيث لا نراه, فيوسوس لنا لنعصي ربنا ونحن ربما نتوهم حينها أن هذه من وسوسات النفس وذلك لأننا لا نراه, وأيضا الشيطان يستمتع برؤية سوءتنا (معصيتنا لربنا) حينما نعصى وذلك دون أن نراه, ضاحكا منتشيا مسرورا دون أن ننتبه لهذا, وذلك لأننا لا نراه "إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ"

لكننا عرفنا الدواء فلا ينبغي لنا أن نعطي الشيطان فرصة أن يشمت بنا نتيجة رؤيتنا سوءاتنا حينما نعصي - يشمت بنا عندما نغرق في بحار اليأس واحتقار الذات. والدواء هو ذاته "التوبة", فكلما أغوانا الشيطان كما أغوى أبوينا, يجب أن نتوب إلى الله كما تاب أبوانا دون أن نسوغ لأنفسنا المعصية ولا أن نلتمس الأعذار, فنقول بقلوبنا كما قال أبوانا

قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿الأعراف - 23﴾

فيتوب الله علينا, ونلبس لباس التقوى من جديد بعد أن نُزِع عنّا, وتعود لنا ثقتنا بأنفسنا بفضل الله ويندحر مكر الشيطان إلا أنه لا ييأس أبدا, ويكرر محاولاته طالما ظلننا على الصراط المستقيم

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿١٦﴾ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴿الأعراف 16-17﴾

ويقول الشيطان في نهاية كلامه أن أكثر البشر لا يشكرون, لا يشكرون نعمة تعليم الله التوبة لآدم فيتوبون, بل تجدهم يسارعون دائما لالتماس الأعذار فيخصفوا على سوءات معاصيهم بأوراق التماس الأعذار للنفس وعدم التوبة فيكونوا من الهاكين.

والله أعلم

العبادة ..!


يخطئ معظم مسلمي اليوم بالخلط بين العبادة بمفهومها العام وبين الشعائر التعبدية أو (العبادات)، فالعبادة هي وظيفة الإنسان التي يريدها الله له في هذا الكون، ولهذا فقد قال جل شأنه
﴿وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ﴾
[الذاريات: ٥٦]
وقال في موضع آخر
﴿قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ۝لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسلِمينَ﴾
[الأنعام: ١٦٢-١٦٣]

فالعبادة هي مرادف لحياة المسلم الحق، كل حياته، وهي مرادف لخلافته في الأرض، ولتلبية استعمار الله له هذا الكون.

الشعائر التعبدية
-------
أما الشعائر التعبدية من صلاة وصيام وزكاة وحج ... ، هذه الشعائر هي وقفات يقف فيها الإنسان ليتحول بكامل إرادته من مُخيَّر إلى مُسيَّر لإرادة الله، امتثالا وحبا، ورغبة ورهبة. ففيها يكون كل شيء توقيفي، نفعل مثلما أمرنا الله تماما، وذلك حتى نقول لله بلسان حالنا: ها نحن نشكرك يا ربنا على منحك إيانا حرية الإرادة، فنعود طواعية في مواطن معينة (وهي الشعائر) كالكون الجامد والملائكة:
﴿وَلِلَّهِ يَسجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ مِن دابَّةٍ وَالمَلائِكَةُ وَهُم لا يَستَكبِرونَ۝يَخافونَ رَبَّهُم مِن فَوقِهِم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ﴾
[النحل: ٤٩-٥٠]
نعود طواعية مسيرين كالكون الجامد والملائكة حتى ننطلق بعدها عابدين لك بحرية إرادتنا بإعمارنا الأرض وتحقيق استخلافك إيانا فيها.
.
وفي أثناء هذه الشعائر نستمد الطاقة، طاقة "تقوى الله":
﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اعبُدوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم وَالَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾
[البقرة: ٢١]
.
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾
[البقرة: ١٨٣]

" تقوى الله" التي نغذي بها أرواحنا فتتحول بعد هضم قلوبنا وعقولنا لها إلى "ذكر الله" في كل شئون حياتنا ، فنحيا في سياج من ذكرٍ لله بقلوبنا وعقولنا في أمور حياتنا كلها، سياج ينهانا عن كل ما لا يرضي الرب أثناء رحلة خلافتنا في الأرض وتلبيتنا لاستعمار الله لنا فيها.
﴿اتلُ ما أوحِيَ إِلَيكَ مِنَ الكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكبَرُ وَاللَّهُ يَعلَمُ ما تَصنَعونَ﴾
[العنكبوت: ٤٥]

فذِكر الله هو النتيجة الطبيعية لتقوى الله التي نشحن بها أرواحنا في الشعائر التعبدية، وذلك حتى يصاحبنا ونصاحبه في كل حركة وسكنة في حيواتنا في هذا الكون.

فالغرض الأساسي إذًا من الشعائر ليس هو ذات الشعائر، بل هو ذكر الله المتولد تلقائيا عن تقوى الله، فمن غير المتصور أن تكون وظيفتنا في الكون هي القيام بالشعائر وحسب، بل وظيفتنا هي الخلافة في الأرض وإعمارها في ظل تقوى الله وذكره، ولهذا شُرعَت الشعائر التعبدية.

﴿وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً ... ﴾
[البقرة: ٣٠]
﴿ ... هُوَ أَنشَأَكُم مِنَ الأَرضِ وَاستَعمَرَكُم فيها فَاستَغفِروهُ ثُمَّ توبوا إِلَيهِ إِنَّ رَبّي قَريبٌ مُجيبٌ﴾
[هود: ٦١]

مغالطة خطيرة
---------
وهي مغالطة التوهم بأن اتخاذ النية الصالحة في "العادات المباحات" هو أمر اختياري يحولها من عادات - لا إثم فيها ولا ثواب - إلى عبادة، وأن اتخاذ هذه النية هو أمر إضافي لا حرج من تركه!
وهذا يعارض النصوص القرآنية المحكمة
مثل:
﴿قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ۝لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسلِمينَ﴾
[الأنعام: ١٦٢-١٦٣]
وانتبه لـ "وبذلك أُمِرت"
وقوله تعالى:
﴿اتلُ ما أوحِيَ إِلَيكَ مِنَ الكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكبَرُ وَاللَّهُ يَعلَمُ ما تَصنَعونَ﴾
[العنكبوت: ٤٥]

فإن ذكر الله المستمر من الصلاة للصلاة ليس أمرا اختياريا، فالمسلم الحق هو من خلصت حياته لله ولم يفعل فعلا إلا إن كان المقصود به رضا الله. وإلا فإن كان ذكر الله قلبا وعقلا أمرا اختياريا لم يتحقق قوله تعالى "ولذكر الله أكبر" وكنا من الغافلين المقصرين التاركين لما هو "أكبر" ، وكان أمرنا كالذي يشحن هاتفه المحمول خمس مرات يوميا ثم يغلقه ولا يستخدمه بين المرة والأخرى! فالغرض من شحن الهاتف هو استخدامه، وليس هو ذات الشحن!
.
ما ينبني على هذه المغالطة
-------------
وما ينبني على هذه المغالطة في فهم وظيفة الإنسان في هذه الكون وموقع الشعائر من هذه الوظيفة هو تركيز المسلم على الشعائر التعبدية وعدم الاكتراث الكافي - إلا على سبيل الزيادة والفضل اللذين لا يضر غيابهما - بالحياة ذاتها، عدم الاكتراث الكافي بصلب الخلافة في الأرض، بصلب العبادة التي هي الحياة بأسرها. وبناءً على هذا الخلل الخطير يكون المسلم قد أسقط الركن الثاني في الفلاح وهو "العمل الصالح"، والذي يقترن دائما بالركن الأول وهو الإيمان (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، أو على أقصى تقدير حصره في الشعائر التعبدية وفي الصدقات، وقصره عليهما، وفرَّغ مضمون الحياة نفسها من "العمل الصالح" الذي هو إتقان (إحسان) كل شيء في هذه الحياة من أجل تحقيق مهمة الخلافة في الأرض وإعمارها.
ففي الحديث (إن الله كتب الإحسان على كل شيء...).. الحديث
وفي الحديث ( ... أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك)
والعبادة بهذا المفهوم هي مراقبة الله في كل أحوال الحياة لإتقانها وإحسانها، وليس فقط في الشعائر.

وقصر مفهوم الإحسان على الشعائر هو كالمخدر الذي يتعاطاه مسلمو اليوم كي يعذرون أنفسهم في الخيبة في الميدان المادي، وهذا أعده سببا طبيعيا جدا لكل ما يعانيه المجتمع المسلم من ضعف مهين وقوة خائرة، فلا هو قد ربح الدنيا ولا هو قد ربح الآخرة.

الخلاصة :
------
يجب تصحيح مفهوم العبادة عند المسلم المعاصر، بأن العبادة هي وظيفتنا في الحياة الدنيا، وأنها يجب أن تشمل كل مناحي الحياة، وأن الإحسان هو مطلوب في كل شيء، في الشعائر، وفي تحصيل العلم المادي، واستخدامه لتطور المسلمين ورفعتهم بالعمل الصالح بمفهومه الصحيح الشامل، وفي الدعوة العملية إلى الإسلام.
.
ويجب التركيز على أن كلا من النية الصالحة والوجهة الصالحة والكيفية الصالحة في كل أعمال الحياة ليسوا أمورا اختياريا بل هم صلب العبادة ومضمونها الأصيل.
.
وأخيرا أذكر بالقانون العمري الخالد "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله"
و"غيره" ليس كما يفهم الكثير هو ترك الإسلام فقط، بل هو أيضا فهم الإسلام ومفهايمه الجوهرية فهما مغلوطا أو منقوصا أو كليهما.

الأحد، 1 أكتوبر 2017

لماذا بُهِتَ النمرود؟!

العملية العكوسية reversible process في الفيزياء هي تلك التي لو صورتها في ملف فيديو، ثم أجريت هذا الملف بالعكس، من النهاية للبداية، لظهر ما تراه ممكنًا حدوثُه في الواقع.  مثل أن تصور قذفك لحجر بعيدًا عنك، ثم تجري الفيديو بالعكس، سترى ما يظهر لك ممكنًا جدًا، فإنه بإمكانك أن تقذف حجرًا آخر بالعكس بحيث تكون زاوية انطلاقه هي نفسها زاوية سقوط الحجر الأول، فتجد أن زاوية سقوطه هي نفسها زاواية انطلاق الحجر الأول!. العملية اللاعكوسية irreversible process في الفيزياء هي تلك التي لو صورتها في ملف فيديو، ثم أجريت هذا الملف بالعكس، من النهاية للبداية، لظهر ما تراه مستحيلًا حدوثُه في الواقع.  مثل أن تصور انكسار كوب زجاجي وتفتته إلى أجزاء، فإنك لو أجريت فيديو هذا الحدث بالعكس لظهر لك هذا مستحيلًا.  لماذا بُهِت النمرود؟!  عندما ادعى النمرود أنه يحيي ويميت، كان ادعاؤه بإحياء الموتى تحديدًا هو الفرية التي قد يخادع بها نفسه قبل الناس بأنه إله! وذلك أن ظاهرالإماتة قد يُتَوَهَّم بيسرانه ممكن، وذلك باختلاط الأمر على الناس بين القتل والإماتة، وعليه فليس في الإماتة - إن تُوُهِمَ أنها هي نفسها القتل - أي قدرة خارقة! لكن إحياء الموتى ليس كذلك، فحمله مجازيًا - بإنقاذ من هو على وشك الموت من الموت مثلًا - لا قدرة خارقة فيه، أما ادعاء القدرة على إحياء الموتى، هو الذي فيه احتياج لقدرة خارقة، وهو الذي يمكن أن يُضَل به الناس، ذلك أنه ادعاءٌ للقدرة على عكس أكثر العمليات لاعكوسية على الإطلاق، وهي "الموت"! نعم، فإن انتقال الحي من الحياة إلى الموت هو أمر- لو نُظِر إليه بعين الفيزياء فقط، بعيدًا عن أمر الروح الغيبي - لا يستطيع فعله إلا الله. حينها جاءت هداية الله تعالى لإبراهيم أبي الأنبياء بأن المهمة الحجة البالغة، فلم يناقش إبراهيم النمرود في أمر عكس هذه الظاهرة الكونية المعقدة البالغة اللاعكوسية، وهي ظاهرة الموت، لكنه نقل الحجة بأن تحداه بأن يقوم بعكس ظاهرة كونية عكوسية في طبيعتها وهي عملية دوران الأرض حول نفسها، فانتقال الشمس من المشرق إلى المغرب هو - فيزيائيًا - نفسه دوران الأض حول نفسها! ولو أنك صورت الأرض وهي تدور حول نفسها ثم عكست جريان الفيديو لظهر لك أن هذا ليس مُستَغربا من حيث المبدأ الفيزيائي. حينها ظهر للنمرود مدى ضعفه وضعف حجته بأنه لا يستطيع عكس حتى العمليات العكوسية الكونية كدوران الكواكب، فكيف به أن يدعي القدرة على عكس أكثر العمليات اللاعكوسية في الكون وهو انتقال الكائن من الحياة إلى الموت؟!!. إنها الحجة البالغة التي آتاها الله لإبراهيم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258]

والله أعلم.

أسئلة وأجوبة حول آلية استجابة الدعاء

الأسئلة:
*  كيف يعمل الدعاء؟ أقصد من الممكن أن يدعوشخصان  ربنا بأمرين متضادين وكلا الشخصين مسلمان .. مين سيستجيب الله له ؟

*  مذاكرة + دعاء = نجاح ... 
مذاكرة - دعاء = نجاح أيضا..
 دعاء - مذاكرة = فشل ..
إذًا ما دور الدعاء في هذه المعادلة ؟ 

*  نسمع عن إنسان بوذي دعا أن ينجب ولدًا وحدث هذا, هل معنى هذا أن بوذا قد استجاب له؟ أم ماذا حدث؟!


الأجوبة

الدعاء له جانبان الجانب الأول هو أن الدعاء عبادة المفروض أن المسلم يقوم بها ليس لتعويض الأسباب ولكن لإثبات أنه يعلم أن الأسباب من عند الله وليست قائمة بذاتها.  مثلا أنا وغير المؤمن نذاكر، أنا لا أدعو كي أعوض تقصيراً في المذاكرة بالدعاء، ولكن أدعو كي أحقق في قلبي إرجاع تفعيل الأسباب لله. وهذا هو الاختلاف بين المؤمن وغير المؤمن، وهو أن المؤمن يؤمن أن الأسباب المادية فعالة بإذن الله، وغير المؤمن يؤمن أنها فعالة بذاتها.  
هذا من جانب .  الجانب الثاني هو الدعاء بالتوفيق في الظروف التي لا علاقة لها بالجهد، فمثلا الصياد، يخرج في رحلة صيده ويتحرى وقت ومكان تواجد السمك، لكن يتبقى عنصر التوفيق، أو ما يسميه غير المؤمن "الحظ"، فيدعو المؤمن الله أن يوفقه في أن تبتلع الطعم سمكة جيدة المواصفات، لأن ابتلاع هذه السمكة بالذات للطعم لا علاقة له بالمجهود لكن هناك سؤال جوهري له علاقة بالدعاء، لاسيما بالجانب الثاني وهو جانب التوفيق، وهو : 
ما هي " الاستجابة"، وما الفرق بينها وبين "التلبية"؟  يظن معظمنا أن الاستجابة هي التلبية، أو يخلط بينهما، لكن شتان بينهما!  التلبية تكون بعد الأمر الذي يصدر من الأعلى إلى الأدنى! ويكون لا اختيار للملبي بخصوص وقت التلبية ومكان التلبية ونوع ما يلبيه فمثلا يطلب الرجل من خادمه كوب ماء, ليس للخادم هنا اختيار، فهو يجب عليه أن يأتي بكون ماء لا بشيء غيره، ويجب عليه أن يأتي به الآن وفي مكان طلبه وليس في وقت آخر. لكن: الاستجابة تكون متعلقة بالرجاء الذي يصدر من الأدنى إلى الأعلى! ولأن الرجاء صدر من الأدنى إلى الأعلى فيكون للمستجيب كل الاختيار بخصوص وقت الاستجابة ونوع ما يستجيب به . فمثلا الابن يرجو من أمه كوب ماء,  للأم هنا الاختيار، فهي يمكن أن ترى المصلحة في أن تأتي له بكوب ليمون بدلا من الماء، ويجوز أن ترى المصلحة في أن تأتي به في وقت آخر غير وقت الرجاء.   والعبد يدعو الإله رجاءا لا أمرا، والإله يستجيب لا يلبي.  فإذا علمنا هذه الحقائق زال الالتباس بخصوص اسئلتك 

 حسنا: ماذا عن آخر سؤال؟ لو دعى البوذي غير الله وتحقق ما معنى هذا؟ أولا معناه أنه أخذ بالأسباب، ثانيا معناه أن الله أراد تفعيل الأسباب! فليس معنى أنه يدعو غير الله أن الله سيعطل الأسباب. صحيح الله يستطيع ذلك، لكن الله لم يضع الأسباب في الكون لتتعطل مع الكافر ولتوافق المؤمن.


أهم 10 مفاهيم مغلوطة أدت إلى تخلف مسلمي هذا الزمان


سبق وأن قلت مراراً أن العلة ليست في تركنا للدين، لكن العلة هي في فهمنا الخاطئ للدين والتوهم أننا ذوو دين. المشكلة في الأساس فكرية، وتتصل بالعقيدة اتصالا مباشراً وفيما يلي بعض أعراض مرض تشوه العقيدة الذي استفحل في زماننا بين أناس يظنون أنهم على خير. 
1- اختلال مفهوم التوكل، ففي الوقت الذي يعتبر التوكل عبادة قلبية ينبغي أن تشحذ الهمة ولا تهبطها، يُحِل الكثيرون التوكل محل العمل.
2- يسأل معظم الشباب هل نحن مسيرون أم مخيرون، والسؤال في ذاته علامة أن الشاب يشك أنه مخير، وكونه يشك في هذا فمعناه أنه لا يعرف دوره في هذا الكون، فلم يكن الله ليجعل كائنا مسيرا بالكلية خليفة في هذا الكون! فضلا أنه لا يعلم معنى المسئولية، فالمسير غير مسئول ولا مهتم بما حوله، هو لا مبال، فهو بالكاد مسير، وحيث أنه مسير فإن عمله لا قيمة له لأن كل شيء سيكون بغض النظر أأراد أن يكون أم لم يرد، فحتى ما يتوهمه من عمل تحصيل حاصل لا غير. 
3- قضية حتمية القدر وعدم مشاركتنا فيه، وهو ذو علاقة وطيدة بقضية توهم تسيير و اللامبالاة المتولدة تلقائيا من كليهما، فرزقك لن يأخذه غيرك، وهو كلام صحيح يقال غالبا في موضع خطأ، فموضعه الصحيح أن يقال لطمأنة من يخشى العوز بعدما بذل كل ما في وسعه، لكنه يقال في أي وقت واي مناسبة، وطبيعي أنه إن كان رزقي لن يأخذه غيري فلماذا اعمل اصلا؟! 
4- مفهوم العبادة والتوهم أنها هي ذاتها الشعائر، وعدم فهم العبادة على أنها الحياة بما فيها، وترقيع الخرق الناتج عن هذا الخلل بأقوال مثل أن العاديات تتحول إلى عبادات إن نويتها لله، وما هي هذه العاديات؟! {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} والاختلال في هذا المفهوم أدى لرضا الموظف الكسول والطالب البليد عن نفسه من الناحية "الدينية" إن هو أتقن الشعائر! فهو بذلك يتقن العبادة! والواقع أن الملحد يعمل لأنه يخشى على أن يموت جوعا أن لم يعمل، أما مسلم هذا العصر فهو في الغالب مطمئن أن رزقه لن يأخذه غيره من جهة، ومن جهة أخرى لا يعد العمل عبادة، فما قيمة العمل إذًا؟!! . 
5- اختلال مفهوم الدعاء (والتضامن مع اختلال مفهوم القدر) ، والتوهم أن الدعاء بديل العمل، وسد الخرق الناشيء عن هذا الخلل بقول مثل "فلنأخذ بالأسباب"، وكأن الأسباب أمر صوري، لكن الدعاء هو كل شيء، فنحن نأخذ بالأسباب فقط حتى نريح ضمائرنا، فكل عمل هو تحصيل حاصل لو دعونا الله! بل كل عمل تحصيل حاصل لأن ما قدره الله سيقع، بالعمل أو بدونه! 
6- سوء فهم حقيقة أننا لن ندخل الجنة بعملنا، فإن كان الأمر كذلك فلماذا العمل أصلا؟ يكفي الاستغفار والدعاء، والحق أن العمل الصالح هو سبيل الجنة وليس ثمنا لها. 
7- اختلال مفهوم العمل الصالح، ففضلا أن الأغلب يفصلون "الذين آمنوا" عن "وعملوا الصالحات" ويهدمون الوحدة بين الشطرين، إلا أن الأغلب يفهم العمل الصالح أنه الصدقة والزكاة وباقي الشعائر، ولا يعدون التفوق في العلوم وفي الحياة عموما واستخدام هذا التفوق في الإصلاح من العمل الصالح!
8- اختلال مفهوم الابتلاء والتوهم أن ما نحن فيه اليوم من هوان قد يكون بسبب أن الله يبتلينا، ونسوا أو تناسوا {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}، نسوا ان هذا وعد الله، وحيث أن الله لم ينصرنا فلا يوجد إلا احتمال واحد. أننا لم نصره! ونسوا أو تناسوا وعدا آخر {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} ، وحيث أن الله جعل للكافرين علينا كل السبل فلا احتمال إلا أننا لسنا بمؤمنين حقا.
9- اختلال مفهوم أن العبد يُحرم الرزق بالمعصية يصيبها، بأن يتوهم أغلب من لديهم هذا المفهوم - وهو مفهوم صحيح - أن المعصية لا تشمل التقصير في العمل! مع أن التقصير في العمل من الطبيعي جدا أن يؤثر على الرزق!
10- اختلال مفهوم العلم الشرعي أو الديني، والتحدث عن العلوم المادية أنها أقل شأنا، مع أن الحق أن كل العلوم ينبغي أن تكون علوما دينية، فما الذي يجعل الفيزياء أو الأحياء أو غيرهما من العلوم المادية علما غير ديني؟ فبالعلوم المادية نعرف الله، لأن معرفة الله يكون عن طريقين متكاملين، كتابه وخلقه! وبها نجاهد في سبيل الله! وهذا التفريق يجعل المسلم المتدين ينظر بدونية للعلوم المادية، حتى إن من الناس من يفسر "طلب العلم فريضة على كل مسلم" أنها العلوم الشرعية، ومنهم من يخرج العلوم المادية من إطار العلوم ويسميها فنونا!! وهكذا يتأكد أن الخلل في الأساس هو خلل مفاهيم، ولا يمكن أن نتقدم خطوة للأمام إلا لو تخلينا عن حسن الظن بأنفسنا أننا نفهم الإسلام ونتأمل هذه القضايا الشائكة ونطهرها من كل ما حدث فيها من تلبيس وتدليس على الناس لصالح أعداء الأمة 
----
أحمد كمال قاسم