السبت، 2 يناير 2010

الجزاء من جنس العمل: سورة الحديد والسور الحديدي

السلام عليكم

أ-ما يحدث في الدنيا
يا أولي الألباب من بُناء السور الحديدي تأملوا معي في سورة الحديد في كلام الله من الآية 6 إلى الآية 17 التي عندما سمعتها فإنما أحسست أنني أسمعها للمرة الأولي

يا من تحاصرون المؤمنين ألم تعلموا أن الأيام دولُ وأنك اليومَ مُحاصِر وغداً مُحَاصَر؟

6- يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

فكما يتعاقب الليل والنهار إن كنت مُحَاصِرَاً اليوم فستكون مُحَاصَرَاً غداً

7-آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ

لا تظنوا أن مساعدتَكم إخوانَكم من المؤمنين هو من جيبكم, لا والله فأنتم مُستخلفُون في مال الله, فأنفقوه في سبيل الله وإلا تهلكوا, وتفكروا في أنه من عِظمِ كرم الله عليكم أنكم إن انفقتموه في سبيله, كافأكم مع أنكم غير ممتلكين للمال. فلا تمنوا على إخوانكم حينئذ, بل الله هو الذي يمن عليكم أن هداكم طريق الطاعة والصلاح.

8-وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

9-هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ

أستفشلون في الاختبار بعد أن أعطيتم ربكم ميثاقكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً؟ أبعد أن هزمتم اليهود تتطاوطأون معهم وتوالونهم ضد إخوانكم من المؤمنين؟ فتقعون في ظلمات قد أحكتموها لأنفسكم بحجب نور الله قسراً عنكم؟

10- وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

11-مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ

وهل تنتظرون أن ينصر الله تعالى المؤمنين حتى تنفقوا وتساهموا في إعادة إعمار ما هدم عدوكم وعدوهم من مدنهم وقراهم؟!يومئذ ستنفقون في سبيل الله وتسعون لإرضائهم لأنهم انتصروا بحول الله وحده وقد كنتم تضيقون عليهم الحصار وتشاركون في إيذائهم من قبل. أتظنون أنهم سوف ينسون في يوم من الأيام ما كدتم لهم به؟ وإن نسوا ولن ينسوا, فلن ينسى الله, وما كان ربكم نَسِياً.
والأكيس من هذا والأفضل أن تساعدوا إخوانَكم في الإيمان, فتتحول مساعدتُكم لهم بكرم الله وفضله يوم التغابنِ إلى أضعافِ أضعافِ ما قدمتموه.
=============================================
ب-الجزاء في الآخرة

12-يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

وهذا هو جزاء الصابرين المصابرين المرابطين في سبيل الله يوم القيامة يوم الاحتكام إلى الله العادل الذي لا يظلم مثقال ذرةٍ, فسيجعل المؤمنين الذين ضُيِقَ عليهم وحوصروا في الدنيا وقبضوا على دينهم حتى وإن كان قبضهم عليه كالقبض على الجمر, سيجعلهم هانئين هاشين باشين في جنة الخلد بما أنعم الله به عليهم من نعم لا تُعدُ ولا تحصى ولا تُوصف ولا تُحكَى من فرط جمالها وكمالها. ولمن يرى أمامه شبراً واحداً وليس تحت أخمصيه, يعلم أن هذه الدنيا قصيرةٌ فانية, وأننا جميعاً شأنُنَا يوم الدين إلى خسرانٍ مبين أو إلى فوز عظيم. كلُ امرئ بما كسب رهين.

13-يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ

ولما لا يكون هذا جزاء من حاصر إنسانًا بسورٍ حديدي في الدنيا؟ لم لا وقد علمنا أن الجزاء من جنس العمل؟ وقد ظن أن هذا السورَ سيرحمه من سوط أعدائه ممن يكرهونه سواءاً أضربَ السورَ بينه وبين إخوانه من المؤمنين أم لا وقد ظن أيضاً أن هذا السور سيهلك المؤمنين وراءه.
ولكن هيهات هيهات, فليوقنن الذين أمنوا وباعوا دنياهم وليوقنن أيضاً الذين باعوا دينهم بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم.


14-يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ

لقد فات الآوان!! أبظنكم أنكم ساعدتموهم فيما قبل في حروبهم ضد أعدائكم وأعدائهم سيشفع لكم الآن وقد جاء اليوم الحق!؟, يوم الدين!؟ يوم التغابن!؟ حتى هذه المساعدة فقد افسدتموها بمنكم وأذاكم لمن من الله بهم عليكم بأن تقفوا بجانبهم, وتنتصروا بنصر ليس بنصركم, ولكن بنصر الله, فمننتم على الله أن أسلمتم, بلى والله فإنه هو من يمن عليكم بأن هداكم للإيمان ثم أنتم تتخلون عما هُديتم به وتضيعونه في أماني قاصرة فانية.

إنكم ارتكستم بعدها وظننتم أن الدنيا طويلة ولم تُعِدُوا العدةَ ليوم لا ينفعكم به "صداقة أعدائكم" الزائفة! فيوم إذن سيتبرأون منكم ولن ينفعكم إدعاء الاستضعاف وأنكم أطعتموهم. فلقد خنتم دينكم باستصدار فتاوى باطلة من قوم باعوا دينهم بلا شئ, فلاهم أبقوا لأنفسهم زاداً يتزودون به لدخول الجنة ولاهم استمتعوا بما غرهم به عدوهم من أماني باطلة في الدنيا.

15- فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ

لقد جاء وقت تصفية الحساب فكما مَنَ الله على الذين باعوا دنياهم بآخرتهم بجنةٍ عرضُها كعرض السماوات والأرض جازاكم بما عملتم ناراً خالدين فيها, تواليكم وتحبكم, كما واليتم وأحببتم من قبلُ في دنياكم أعداءَ الله وأعداءكم!!. بئست النهاية, بئست النهاية.

=============================================
جــ - فرصة أخيرة

16-أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ

الآن وقد عرفتم مصيركم إذا ما استمرأتم موالاة عدوكم ومعادة وليكم! فهلا من عودة وأوبة إلى الله رب العالمين؟, فيفرح بتوبتكم وتفرحون بتوبته عليكم؟, وتلين قلوبكم لذكر الله من جديد.
وحينئذ تندموا عن موالاتكم لليهود الصهاينة الذين أقصوا قلوبَهم عن ذكر الله فأقسى الله قلوبَهم, فلم يرضوا إلا أن تكونوا مؤانسيهم في نار جهنم, يوم لا أؤنس وإنما هو البؤس وكفى.
حقداً منهم وكرهاً, حاولوا إقصائكم عن ذكره كما أقصوا أنفسَهم, فرضيتم بمحاولتهم ورضيتم بإقصائهم إياكم, فأقسى الله قلوبكم عن قدرة ذكره بطول أمد إقصائِهم أرواحَكم وأنفسَكم عن حصنِ الإيمانِ باللهِ ربِ العالمين.
وذلك جزاء الظالمين, فلا تكونوا منهم وقد ترك الله بين أيديكم كتاب منير وسنة تهديكم إلى نور كتابه. فاعتبروا يا أولى الألبابَ.

17-اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

ويذكركم الله مرة أخرى بعد أن أوضح لكم سننه الماضية حتماً, يذكركم أن الجزاء من جنس العمل, ليس في الدنيا وحسب, وإنما أيضاً في يوم التغابن الذي هو قادمٌ قادمٌ, ولن يكون حساب أحدكم إلا وحدَه مُجَرَداً عن الأولياءِ المُتَوَهَمِين, وسينشركم الله من قبوركم بعد أن ينبتكم من أماكن مدافنكم كما ينبت الحبَ بالمطرِ, بعد سكون وموت, ليحشركم جميعاً فيقضي فيكم ويأخذ كلُ ذي حقٍ حقَه.
=============================================
د- مزيد من التأمل

واترك لكم التأمل في أول سورة الحديد مما لم أذكره وفي أواخرها أيضاً, فهي وحدةٌ متكاملة تتكلم في سياقِ أحداثِنا في زمانِنا ومكانِنا عن من فتنوا المؤمنين والمؤمنات ومصيرهم.

ولتهتموا أيما اهتمام بوظيفة الحديد التى أرادها الله لنا, كما ذكرها تعالى في نفس السورة قائلاً:

"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ"

الذي أنزله الله علينا وسخره لنا ليكون لنا به البأس على أعدائنا وننتفع به في دنيانا, فأسأنا استخدامَ نعمةِ ربنا, فكان لنا به البأس على أهلنا من المؤمنين والمؤمنات,أي على أنفسنا, وكان استخدامنا إياه ضرراً علينا وليس نفعاً!! فعلم الله منا عدم نصرنا إياه بالغيب, ولكننا غُيِبنا عن حقيقة أن نصرنا لله هو جالبُ نصرِه لنا, فنحن المنتفعون بهذا النصرِ في نهاية الأمر, والله غنيٌ عن العالمين.

وأذكرهم أخيراً بقوله تعالى في سورة البروج
"إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ"

صدق الله العلي العظيم في وعده للمؤمنين والمجرمين

والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

ليست هناك تعليقات: