الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010

مثال للدقة الرياضية في القرآن الكريم

السلام عليكم
مقدمة:
عندما أقول لك تلك السلعة بجنيه, ربما تسارع فتقول, وهل الأربعة منها بجنيهين اثنين؟ ... ربما أجبت عليه بالقبول أو الرفض!

ماذا لو قبلت وقلت لك لا بأس, الأربعة وحدات بجنيهين فقط من أجلك أنت يا عزيزي ... لن نسطيع حين إذن أن نعبر عن العلاقة بين عدد الوحدات والثمن برسم بياني خطي, بل سنجزم أن العلاقة لا خطية كمثل التي في الشكل الأول.


أما لو لم أقبل بالعرض؟ وقلت لك بل الأربعة وحدات بأربع جنيهات ستستطيع حين إذن أن تعبر عن العلاقة بين عدد الوحدات والثمن برسم بياني خطي كما بالشكل الثاني


حسنًا, لنأخذ مثالًا آخر, ماذا لو قلت لك السلعتين بجنيه ونصف وصمت. ماذا ستنسنتج من عرضي حينئذ؟
--------------------------------------------------------------------------------
أ- لو كنت انسانًا لست دقيقًا, بالمعنى الرياضي, ستظن فورًا أن الأربعة سلع بثلاث جنيهات, أي أنك ستبني استنتاجًا من معلومة واحدة.
ولكن لماذا ظننت أن ضعف عدد السلع ثمنه هو ضعف الثمن بطريقة تلقائية؟ الإجابة أن الفطرة البشرية تميل لاعتبار الأمور خطية, أما الواقع فيحتمل أن تكون خطية أو لا.

ب-لو كنت انسانًا دقيقًا, بالمعنى الرياضي, لن تبني استنتاجًا من مجرد معلومة واحدة عن عدد ثمن الأربعة سلع بل ستهم بسؤالي: أظن سيدي أن المعلومة ناقصة, وماذا عن ثمن الأربعة سلع؟ حينئذ من الممكن أن أجيبك بأن الأربعة سلع ثمنها جنيهان لا ثلاثة جنيهات, فأفهم أنه يوجد خصم على الأعداد الكبيرة من السلع.

آيات نصاب القتال في القرآن الكريم
قال تعالى
"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ" [الأنفال: ٦٥]


السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا لم يكتفِ النص القرآني بالقول أن عشرين صابرين يغلبوا مئتين؟ بل أردف بمعلومة أخرى أن مائة صابرة يستطيعون أن يغلبوا ألفَا؟

لماذا لم يكتفِ القرآن بذكر المعلومة الأولى فقط ونحن نستنتج المعلومة الثانية من الأولى؟ فمن "الطبيعي" أن تكون النسبة ثابتة!

الإجابة أنه لو اكتفى القرآن الكريم بذلك مع عدم ذكر خطية العلاقة من عدمها ستكون المعلومة ناقصة, وذلك لأنه حينئذ سيكون النص القرآني مبنيًا على افتراض أنك ستعد العلاقة خطية, وهذا محض فرض أي مجرد احتمال, فماذا عن الاحتمال الآخر؟! لكن هيهات هيهات أن يترك الله عز وجل الآية مبهمة إلا عن عددٍ بعينه من المقاتلين, فالله تعالى لم يترك لأذهان ذات طابع رياضي لأناس حسني النوايا أو سيئيها الفرصة أن يقولوا مثلًا "وهل من الممكن ألا تستطيع المائة إلا أن تغلب ثمانمائة لا أكثر؟؟, وهذا وارد منطقيًا؟ لماذا لا يكون النص خاص بالعدد عشرين فقط؟؟", ولذلك فقد أعطانا الله عز وجل الرقمين الأخريين (مائة مقابل ألف), للإشارة أن العلاقة خطية وبالتالي نستطيع مثلًا أن نقول أن ألفًا صابرين يغلبوا عشرة آلاف من الكافرين.

ونفس التحليل أعلاه ينطبق على آية نصاب القتال التي أنزلها الله للتخفيف على المؤمنين والتي كانت فيها النسبة بين عدد المؤمنين وعدد الكافرين اثنين على خلاف الآية الأولى التي فيها النسبة عشرة
قال تعالى
"الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" [الأنفال: ٦٦]




تدبر أكثر عمقًا
قال تعالى
"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ" * "الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" [الأنفال: ٦٥-٦٦]




لكن إن تدبرنا الآن بشيء أكثر تفصيلا وعمقا نجد لطيفة لغوية وروحية غير متوقعة في هاتين الآيتين, ألا وأن النسبة الأولى "عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ" قبل التخفيف و"مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغلِبوا مِائَتَينِ" بعد التخفيف قد وصفها الله تعاى بالصبر, لكن النسبة الثانية "مِائَةٌ يَغلِبوا أَلفًا" قبل التخفيف و "أَلفٌ يَغلِبوا أَلفَينِ" بعد التخفيف لم يصفها الله بالصبر, وإن أخذنا الآية الأولى - قبل التخفيف - كمثال فإن هذا قد يعني أنه وإن كانت المنحنى المنقط الأسود في الشكل أعلاه هو المنحنى الخطي الذي يُفهَم بدون تدقيق فإن هذا الخط يتكون من نقطتين كل منهما يقع على منحنى مختلف كل منهما "لا خطي", فالمنحنى الأحمرهو منحنى عدد الكفار المغلوبين من مؤمنين صابرين, والمنحنى الأزرق هو عدد الكفار المغلوبين من مؤمنين لا يشترط فيهم الصبر.
.
ويتجلى معنى المنحنى الأحمر في غزوة مثل غزوة مؤتة التي بلغ فيه عدد المسلون ثلاثة ألاف مقاتل بينما بلغ عدد الكافرون مئتي ألف مقاتل أي كانت النسبة 1:66 , وبالرغم من ذلك فقد وصل 
إجمالي القتلى من المسلمين إلى ثلاثة عشر مقاتلاً مسلماً فقط، أما عدد قتلى الروم فقد وصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف وثلاثمئة مقاتل تقريباً، وهذا يظهر حجم الخسائر التي ألحقها جيش المسلمين بالروم
.
وبهذا يتضح كيف أن القرآن الكريم غني جدا بالمعاني فلا تنتهي معانيه, لكن بشرط أن نتدبره

 وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان: ٢٧]
-

سبحان الله العظيم الذي أحكم كتابه الكريم إحكامًا يفهمه البسطاء ويُثلج صدور المتدبرين في كل زمان ومكان .... اللهم إني اؤمن بأن كتاب الإسلام, القرآن, هو منزل من لديك فارحمني واغفر لي يا أرحم الراحمين


والله أعلم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

اللهم لا تجعلني جسرًا يعبرُ الناسُ عليه إلى الجِنان ثم يُلقى بهِ في قعرِ النيران

تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

ماشاء الله ولا حول ولا قوة الا بالله
جزاك الله خيرا استاذى احمد على هذه المقاله الرائعه التى تدل على دقه تأملك لمعانى القرآن الكريم وفهمه الفهم الصحيح وتوصيله لنا نحن الغافلين
جزاك الله عنا كل خير واسكنك فسيح جناتهوالهمك رشده وصوابه وعفاك من كل مرض وصبرك على كل ابتلاء

انسان متأمل يقول...

جزاكم الله كل الخير على التشجيع