الأربعاء، 7 مايو 2008

مُسَير أَمْ مُخَير (1)

السلام عليكم
إن مسألة التخيير والتسيير وموقف الإنسان منها هل هو مخير أم مسير في هذه الحياة أخذت من العقل الإسلامي حيزاً كبيراً لا تستحقه وأضاع الفلاسفة المسلمون وقتاً ثميناً فيها مع أن المسألة واضح حلُها وضوح الشمس في رائعة النهار إذا تأملنا الواقع وتدبرنا القرءان الكريم:

موقف الإنسان البسيط سليم الفطرة
إن معرفة موقفه لم يأخذ منه جهداً عقلياً لأنه تعامل مع الواقع مباشرةً. فهو عندما يريد أن يصلي فإنه يقوم ليتوضأ ويصلي وعندما يريد أن يحصد الزرع فإنه يحصده ببساطة. فاحتمال أنه مسير لا نجده يداعب خاطره أبداً ! فالأمر واضح جلى ولربما اتهم هذا الإنسان المفطور على التفكير البسيط القويم من يقول بالتسيير بالبله وقلة العقل, وذلك لا يتعارض مع ادراكه أنه يُفرض عليه عدة أمور كمكان وزمان ميلاده وأبيه وأمه ... ولكنه يعلم أن هذه الأمور ليست من أفعاله بل هي من قدره.

شرح القرءان الكريم للمسألة للبسطاء من الناس:
إن القرءان الكريم يعطي حلاً يتناسب مع الإنسان البسيط عقلُه حتى لا يحار في هذا الأمر فيقول الله تعالى مثلاً في سورة الكهف آية 29:
"وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا"
صدق الله العظيم
ونلاحظ هنا منهجاً هاماً اتبعه القرءان الكريم في تبسيط المعلومة وهو عدم الإخلال بصحة المعلومة من أجل تبسيطها كما يفعل عكس ذلك الكثير من الآباء حتى يبسطوا المعلومة لأولادهم الصغار فتراهم يغيرون ويبدلون في المعلومة ليستطيع الطفل أن يتخيلها كأن يسأل "أين الله؟" فنجيبه خطأً "في كل مكان".

شرح القرءان الكريم للمسألة لقوم يتفكرون:
ولكن القرءان ذاته يخاطب من هم أكثر تركيباً في فكرهم مع عدم الاخلال باستثاغة البسطاء في فكرهم لمعنى الآية ككل تدون تحليلها فيقول مثلا في سورة الإنسان آية 30
"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا"
صدق الله العظيم
وفي سورة التكوير آية 29
"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"
صدق الله العظيم
وفي سورة الأنفال آية 17
"فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"
صدق الله العظيم

وفي الآيات السابقة جمع الله تعالى بين فعلين ومشيئتين, فعل الإنسان وفعل الله من جهة ومشيئة الإنسان ومشيئة الله من جهة أخرى. وفي هذا الجمع إثبات للمشيئتين وللفعلين معاً دون تعارض وإن التبس على بعض الأذهان وجود تعارض ظاهري ولم يفقهوا أن حل اللغز (التخيير والتسيير) كله في فهم هذا التعارض الظاهري على حقيقته ليكون توافقاً حقيقياً.

شرح لهذا التوافق
إن الله تعالى خلق الإنسان ونفخ فيه من روحه
قال الله تعالى في سورة الحجر آية 29
"فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ"
و قال في سورة الإسراء آية 85
"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"
ومعنى "من أمر ربي" هنا الذي أراه, والله أعلى وأعلم, ليس معناه فقط أن ذاتها خافيةٌ خصائصُها ولكن أن فيها من صفات الله عز وجل وإن كانت صفات ليست كصفاته تعالى في سموها وكمالها. ومن أظهر هذه الصفات الرحمة والرأفة والقدرة على الحب و الإرادة الحرة, والصفة الأخيرة هي موضوعنا ها هنا إذ أن الإنسان حرةٌ إرادتُه تماماً وذلك هو مناط التكليف .... قال الله تعالى في سورة الأحزاب آية 72:
"إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"
صدق الله العظيم

وهنا نجد أمراً يدعو للتفكر, فإن الإنسان ليس بمالك إلا لإرادته الحرة فهو "يريد" دون قيد عليه ولكن تحول هذه الإرادة إلى واقع هو منوط بسماح الله عز وجل بهذا التحول حتى إن لم يكن راضياً عن الفعل وذلك ليكون الاختبار حقيقياً وتزر كل وازرة وزرها. وذلك المعنى الذي أراه لــ "وما تشاءون إلا أن يشاء الله" و "ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" أي أنه لن تتحول إرادتكم "الحرة" إلى واقع إلا بإرادة الله لها هذا التحول. فأنت تملك أن تريد تحريك ساعدك ولكنك لا تملك إطلاق إشارة القشرة المخية المسـئولة عن حركة الساعد في مركز الحركة في المخ بل الله تعالى هو الذي يطلقها لك. وبالتالي فأنت تريد والله يخلق لك الفعل المقابل لهذا الإرادة إن شاء.
قال تعالى في سورة الصافات آية 96
"وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ"صدق الله العظيم
الخلاصة:
أن الله تعالى خلقنا ونفخ فينا من روحه التي تتميز بحرية الإرادة فنحن نريد والله يخلق لنا أفعالنا المقابلة لإرادتنا إن شاء أن يحول إرادتنا إلى واقع ملموس. وبهذا فإن الإنسان مخير ولكن تخييره لا يتيح له الفعل بل الفعل بيد الله تعالى فهو خالق كل شئ ومن ضمن الأشياء هو أفعالنا.

والله أعلم

تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

هناك تعليق واحد:

Samar يقول...

جزاك الله خيرا عن كل من يقرأ هذا المقال و كل من يستفيد منه