الخميس، 20 أغسطس 2009

الإخلاص

السلام عليكم

مقدمة
تفكرت في معنى الإخلاص وأغراني ذلك بالتفكير في سؤال أوسع وهو - هل المسلمون الموجودون حاليًا يفهمون هذا المعنى الجليل حقًا؟ وتأملت لو أن مسلمي اليوم غابت عن أذهانهم معاني الإسلام الأساسية مثل الإخلاص والتوكل والإيمان والعمل الصالح وغيرهم من المعاني الجليلة, هل يُعدون آنذاك من الأمة التي وعد الله بنصرها حيث قال
"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "
صدق الله العظيم

وإن كانت مفاهيم الإسلام الأساسية غير مفهومة على وجهها الصحيح, فإنه من الظلم أن ندعي أن سلف الأمة يتميزون عنا في كم الإيمان والعمل فقط, وإنما بدون الفهم الصحيح للعقيدة السليمة يكون سلف الأمة قد تميز عن خلفها في كيف الإيمان والعمل وليس فقط في كمهما.

وإن كانت هذه هي حال الأمة فلماذا ننتظر وعدًا لم تتحقق شروطه؟!! إننا بذلك نكون في غفلة عن شكل الإسلام ومضمونه, مقصرين في كم الإيمان و ذاهلين عن كيفه, فلا نلومن إلا أنفسنا إذ أصبحنا أهون أناس على عدوٍ لهم!, حتى الشيطان نفسه لا يحتاج أن يتكلف عناء الوسوسة لأناس سائرين على درب غير الدرب الذي أراده الله لهم, فلماذا يرهق نفسه في إضلال أناس ضالين بالفعل!!!.

الإخلاص
قد وفر الله سبحانه علينا كبد التفكير في معناه الدقيق فأنزل من القرآن وأوحي من السنة لرسوله صلى الله عليه وسلم ما يكفي لفهمه فهمًااًدقيقًا فأنزل سورة من سور القرآن تشرح مضمونه لأولي الألباب!

قال تعالى:
"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ"
صدق الله العظيم

إن كلمة "أحد" تتمايز عن كلمة "واحد" تمايزاً هائلاً من حيث أنها تنفى أي تعددية أو تجزئ ويتضامن مع هذا المعنى ويكمله آخر السورة "وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" فهو ليس كمثله شئ في وحدانيته وليس له شبيه, فقد يكون غيره واحد ولكن له شبيه ولكن الله أحد فهو ليس له شبيه أو ند مُطلقًا.
أما "الصمد" فمعناها هو "المقصود وحده في الحوائج"

ولكن مهلاً ألسنا نقصدُ بعضَنا في الحوائحِ ويقضي بعضُنا حوائجَ بعضٍ دون تحريم لذلك من الشرع الحنيف؟
كيف يمكن التوفيق بين المعنيين؟ وكيف نحقق الإخلاص مع ذلك؟

الجواب والله أعلم أنه ينبغي على المسلم الاعتقاد بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله فلا شئ يتحقق سواءاً على أيدينا أو على أيدي الغير أو في الكون إلا بمشيئة وتمكين الله تعالى لهذا الفعل أن يحدث حتى وإن كان فعلاً يُغضبه من إنسان مخلوقٍ له قرر بحرية إرادته معصية ربه. وتلك هي الأمانة التي حملناها نحن بني اليشر بجهلنا وظلمنا وهي تحمل مسئولية أن يُفَعِلَ لنا الله إرادتنا ويشاءها, وذلك حتى لو كانت عكس رضاه.

قال تعالى
"وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين"
صدق الله العظيم

وقال تعالى
"فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"
صدق الله العظيم

وقال تعالى بشأن حمل الأمانة:
"إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا"
صدق الله العظيم

فيجب على المسلم تبعاً لهذا التأمل أن يعتقد بأنه لا يتم أي عمل إلا بإذن الله تعالى.

مثال
فمن الخطأ أن أظن أنني أطلب المساعدة منك وأنت تساعدني .... ليس الأمر هكذا فلا يمكن إخراج الله عز وجل وعبادتنا له من أي عمل ... فلولا تفعيل الله لطلبي منك لما تم الطلب ولولا تفعيل الله لإرادتك مساعدتي بحيث تقع المساعدة لما تمت تلك المساعدة.
وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم التالي وصيته لابن عباس رضي الله عنه بالإخلاص الحقيقي
كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما قال يا غلام ، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك بشيء إلا قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، ( رفعت الأقلام وجفت الصحف )
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2516
خلاصة الدرجة: صحيح

فطلبي من مخلوق مثلي يجب أن يكون تحت مظلة أنني أطلب من الله حقيقةً وما تحرك لساني الذي طلب ولا فعل هذا المخلوق المطلوب منه إلا بمشيئة الله رب العالمين. فحقيقة الطلب هي من الله وحقيقة التلبية هي من الله أيضًا وينبغي على المسلم لكي يكون مُخلصًا أن يكون تعامله مع الكون من حوله حتى مع جوارحه من خلال تعامله مع الله تعالي فهو يعلم أن الله هو قيوم السماوات والأرض وأنه يحول بين رغباته وبين تحقيقها (اسقاطها على جوارحة وانتاج تغيير مادي في الكون), فلا تتحقق إلا بإرادة الله.

قال تعالى
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"
صدق الله العظيم


فائدة الإخلاص الجليلة
إن من يخلص لله حق الإخلاص يشعر بمعية الله شعوراً في كل لحظة ويشعر أنه لا حول ولا قوة له إلا بإرادة الله وهذا يجعله يعبد الله حق عبادته فكل عمل يفعله فهو لله وبحول الله ويتحقق به مراد الله من الآيات الكريمات:
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ"
صدق الله العظيم

وقال تعالى
"قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"
صدق الله العظيم

الخلاصة
المسلم المخلص والذي يعتقد بمعية الله وعبادته كل لحظة وبأن حول الله وقوته هي التي تُفَعِل إرادته وتحولها لواقع فهو يتعامل مع الكون أجمع بما فيه من حي وجامد وهو يعلم أنه يعامل الله أصلًا في كل لحظة أما تعامله مع الكون فهو غير مباشر وليس أصلي. هذا المسلم يستحي أن يجعل حول الله وقوته تُفَعِلُ له معصية لله وهذا الحياء يمنعه من اقتراف إلا كل ما يُرضي الله عز وجل فيدخل الجنة بإذن الله.


والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

ليست هناك تعليقات: