الأحد، 14 فبراير 2010

التعميم بين الحماقة والحكمة

السلام عليكم

تقدمة:
عندما يثار لفظ "التعميم" فإنه غالباً ما يثير الاشمئزاز عند الفئة المتعلمة والمثقفة لاسيما من غير المشتغلين بالعلم! ويسارعون بالقول "التعميم من أكبر الحماقات الفكرية", بينما يسرع بعض علماء الطبيعة والعلم عموماً بقولهم "لولا التعميم لما كان العلم ولما أحكنا الصيغ الرياضية أو القواعد اللفظية الكلية, التي نتنبأ بها بالحوادث الفيزيائية أو حتى الحيوية والحياتية التي لم تقع, والتي ندعي أنها تقريب لقوانين محكمة", ومثال ذلك من العلماء - ألبرت أينشتين, بينما يعارضه جزئياً عالمُ ذو شأن مثل, هيزنبرج.

فهل هذا حق أم ذاك حق؟ وما هو الإنصاف نحو قضية التعميم؟ أهو من الحماقات كما يسرع المثقفون بالقول أم هو من الحكمة كما يسرع العلميون؟
هذا ما سنحاول بحول الله تغطيته جزئياً في هذا المقال

التعميم في نظر من يفكر بأنماط الحياة وخصائصها:
إن أحداً عندما يرى أوروبياً أسمر اللون ثم يرى آخرَ مثله في لونه, فإنه سيميل فوراً إلى القول بأن الأوروبيين سُمر اللون, هذا بالطبع إن لم يكن يعلم عن الأوروبيين من قبل. في هذا الموقف نقول ولا شك إن حكمه هذا ليس ناضجاً وهو ميل للدعة والراحة الذهنية, فيعمم المُشاهد للأحداث لأن أيسر شئ هو افتراض الثبات وليس التغير أو التغاير. بينما ينتقد هذا الموقف بشدة عالمٌ اجتماعيٌ كان متسمعاً لما ييقوله هذا المرأ بناءاً على مشاهدته, وذلك بقوله, ليس من حقك أن تعمم مشاهدتك على جميع الأوروبيين, هل رأيت باقي الأوربيين الذين يفوق عددهم مئات الملايين؟! إن كل ما نستطيع الجزم به في قولتك أنها صحيحة باحتمالية مقدارها:
عدد المشاهدات ذات صفة معينة\العدد الكلي لأفراد المجموعة التي شاهدت منها
ولكن مهلاً, إن هذا المرأ الذي اتهمه العالم ضِمناً بالسطحية هو محق باحتمالية معينة وليس مخطئاً تماماً, أليس كذلك؟



التعميم في نظر من يفكر بأنماط المادة غير الحية وخصائصها:
إن أحداً من متفتقي الذهن (نيوتن مثلاً على اعتبار ما يُحكى عنه صادقاً) لو رأى تفاحة تسقط من على فرع شجرة على الأرض , فإنه سيميل فوراً إلى القول بأن هناك قوة ما تجذب الأجسام للأرض ثم ينتبه إلى أنه ملتصق بالأرض وحتى إذا حال القفز لإعلى فإنه يقع مرةً أخرى مستجيباً لهذه القوة العجيبة, قوة الجاذبية الأرضية (لا تُعد الجاذبية قوة فيما بعد عصر النسبية العامة).
نلاحظ في هذه الحالة الثانية على خِلاف الأولى أن يُتقبل التعميم حتى بالنسبة لعالم فذ مثل نيوتن كان وما زال في صالح مقدار عبقريته! فلما إذاً هذا الكيل بمعيارين؟ مع العلم أن التعميم في الحالة الثانية هو أساس ما نسميه بـ"العلم" والمعلومات هي مفردات صورة كلية نسميها بـ"المعرفة".
ملحوظة: إن الإنصاف من وجهة نظرٍ عقلية بحتة يجبرنا على الاعتراف بأن القول بأن الأوروبيين سُمر اللون من مجرد مشاهدة شخصين أوربيين سُمر اللون هو أكبر احتمالية للصحة من قول نيوتن بأن الأرض تجذب الأجسام لمجرد مشاهدة بضعة أجسام تسقط على الأرض وقمراً يدور حولها!
إن احتمالية صحة نيوتن في قوله هي
عدد المشاهدات التي شاهدها لحالات جذب الأرض للأجسام\عدد الحوادث الممكنة للسقوط - أو عدمه - في كل أنحاء الأرض في كل الأزمنة التي مرت على الأرض
وهي لا شك أقل من احتمالية صحة الادعاء بأن الأوربيين سُمر اللون

التعميم في وجهة نظر المنطق.: فحص لقاعدة "لكل قاعدة شواذ":
سنفترض جدلاً صحة هذه العبارة ....1
لكن هذه العبارة هي قاعدة في ذاتها ....2
إذن توجد شواذ لهذه القاعدة ...3
من 3 نستنتج أنه توجد "بعض القواعد ليس لها شواذ" ...4
من 4 نستنتج أن الفرض في 1 خاطئ .... 5
ونستنتج من 5 أنه يوجد احتمالان: ......... 6

أ- "لا توجد قاعدة لها شواذ"
ب- "بعض القواعد محكمة وعامة وبعضها لها شواذ"
أما ( أ ) فلو كان المقصودُ بها هي القواعد التي نطلقها نحن البشر, فهي ولا شك باطلة وذلك من الملاحظة, إذ أن وجود "قاعدة واحدة من صنع البشر لها شواذ" يهدم ( أ ) بالكلية!
وأما ( أ ) لو قُصِدَ بها قواعد مُطلقة ليست من اختراع البشر ولا نعلم عنها شيئاً - إلا من مصدر القواعد المقصودة في ( أ ) وهو لا يصلح إلا أن يكون غير خاضع أصلاً لأي قاعدة وبالتالي يكون هو واضعها, لأنه بداهةً لابد للقواعد المُطلقة من واضع لها , أقول, أما ( أ ) لو قُصِدَ بها قواعد مُطلقة فتكون ( أ ) صحيحة حتماً.

وأما ( ب ) وبناءاً على ( أ ) فتكون القواعد العامة لابد لها من مصدر إلهي وأما القواعد التي لها شواذ فهي قواعد "اكتشافية" وليست قواعد مطلقة, وهذه القواعد الاكتشافية هي من صيغة البشر حتى يهتدوا بها وهي تقريب أولي للقواعد المُطلقة الإلهية بحيث لا يمكن تعميمها أبداً.

الخلاصة:
التعميم نوعان
أ-نوع بشري, وهو من نوع "القواعد التي لها شواذ" وتعتمد احتمالية صحته على عدد القياسات نسبة لعدد المفردات القابلة للقياس ويدخل في هذا النوع نطاق واسع من القواعد البشرية ابتداءاً بتعميم أحمق كمثل (كل الأوروبيين سُمر اللون بناءاً على رؤية اثنين فقط من الأوربيين مُتسمين بسمار اللون) إلى قوانين الطبيعة بغض النظر عن درجة مطابقتها للواقع.
ب- نوع إلهي وهو من نوع "القواعد التي ليس لها شواذ" مثل
القوانين الأصلية للطبيعة والتي جاءت بناءاً على إرادة الله المطلقة والتي تصف اسلوب حكم الله للكون
قال تعالى
"قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى"
و "ثم هدى" هي قوانين الطبيعة الأصلية التي تنطبق على الحي من الأشياء وغيره.
ومثل الحقائق العامة المطلقة التي أخبرنا الله بها في وحيه لنا, ومنها على سبيل المثال ما ورد في الآيات الكريمات
قال تعالى
"وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ"
وقال تعالى
"مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
صدق الله العظيم

والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

هناك تعليق واحد:

إسلام خالد يقول...

مقال رائع و موضوع جديد :) و اكثر ما اعجبني هو كيفية تناول قاعدة "لكل قاعدة شواذ" :)

و لكن أقول...
أنه يوجد شواذ لبعض القوانين الإلاهية و الشواذ هنا من صنع الله ايضاً و هذا ما نسميه المعجزات, لذا يمكن تعريف المعجزات انها شواذ للقواعد الإلاهية و النواميس الكونية و لا يقدر علي صنعها إلا واضع القاعدة و هو الله :)
و ايضاً يوجد قواعد إلاهية لم يوجد لها شواذ من قبل و لكن هذا يجعلها عرضة في اي وقت لان يُصبح لها شواذ :)

و الله اعلم :)