الجمعة، 4 يوليو 2014

مُخَير أم مُسَير؟! (2)

المشكلة في هذا السؤال "هل الإنسان مخير أم مسير؟" هو أن المصطلحات "مخير" و "مسير" لا يتم تحريرهما (تعريفهما والفصل بينهما) جيدا قبل اجابة السؤال, وغالبا تكون كلا الاجابتين عندها - إن اجيبتا دون تحرير المصطلحات - غير مرضية لطوائف من الناس ولهم الحق في ذلك.
-
وحيث أن القرآن الكريم هو كتاب الله المُعجز الذي يصيغ اجابة الشبهات في ادق واقصر وابلغ اجابة فقد اجاب الله تعالى على هذا السؤال في آية واحدة!
.
"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا" ﴿الإنسان - ٣٠﴾ 
.
واعجاز الآية أنها لم تجب بلا "مخير" ولا "مسير" ! بل اثبتت مشيئتين يظهر أنهما متعارضتين لكنهما حقيقةً غير متعارضتين كما سيأتي:
.
ولنضرب مثالا توضيحيا لكيفية تناغم المشيئتين:
-----------------------------------------
افترض ان أحد الناس اجلسك أمام كمبيوتر وطلب منك ان تتبع التعليمات المذكورة في ملف الإرشادات الموجود على سطح المكتب Desktop. فجلست انت وفتحت الملف لتجد فيه الآتي:
"المطلوب برمجة برنامجا بشرط ان يكون هذا البرنامج مفيدا وغير ضار (مثل الفيروسات الكمبيوترية)"
.
حسنا... الآن امامك احتمالان وكلاهما تستطيع عملهما ان اردت, وهما ان تكتب البرنامج المفيد او الفيروس. لكنك ستضطر ان تكتب ما تريده في اوامر يسمح بصيغتها نظام التشغيل الموجود على هذا الكمبيوتر لأنك تستطيع كتابة برنامج لكنك حين تهم بتنفيذه قد تُفاجأ بإشارة "خطأ" error لأنك مجبر ان تصيغ برمجتك بقواعد معينة لا يسمح نظام التشغيل إلا بها.
وحين تنهي البرنامج - سواءا كان خيرا او شرا - فلست انت من ينفذه بل معالج الكمبيوتر processor هو الذي ينفذه حسب ما كتبته لأن ما كتبته لا يخرق القواعد المُبرمجة مُسبقا من صانع الكمبيوتر.
-
وفي هذا المثال تلك المقابلات بين المثال والواقع:
---------------------------------------
1- كتابتك البرنامج قبل تنفيذه تقابل ارادتك الحرة في الواقع
2- القواعد التي يجب عليك الالتزام بها والا لما تم تنفيذ البرنامج (ارادتك الحرة) هي قوانين الطبيعة في الواقع.
3- نظام التشغيل هو المنظومة الموجود مسبقا التي سمحت لك بأن تكتب اصلا وان تجد ملف الإرشادات. وهو الكون في الواقع . الكون الذي لا يحدث شيء داخله الا ان كان موافقا لقوانين الطبيعة!
4- ملف الإرشادات هو الدين في الواقع
5- عمل المُعالج هي ارادة الله سبحانه في الواقع, فإن الله يفعل لك ما تريد ان التزمت بالقواعد التي وضعها سبحانه بإرادته في الكون, وذلك بغض النظر عن ان كان يحب ما فعلت ام يكره, لأنك في الواقع في اختبار ومن خصائص الاختبار الا يصحح لك واضع الاختبار حل الأسئلة ان كان خاطئًا بل يقبل منك الأسئلة ان التزمت وكتبتها في الورقة المسموح لك الإجابة فيها وبالنظام المطلوب (من كتابة اسمك ورقم جلوسك وكتابتك بقلم واضح الى آخره ... ).
-
-
وعليه ففي المثال نرى أمرين:
------------------------
1- أنك مخير تماما في كتابة ما تريد, حتى ان كان فيروسا (انك مخير في ان تريد (تنوي) خيرا ام شر)
2- أنك لن تستطيع تنفيذ برنامجك الا ان سمح نظام التشغيل بهذا, فإن التزمت بقواعده نفذها لك المُعالِج processor وإلا فلا ينفذها مهما كانت كتابتك. (انه مهما كانت ارادتك فلن يتحول منها الى واقع الا ما وافق قوانين الطبيعة)
3- انك لا تستطيع تنفيذ البرنامج بذاتك لكن المُعالج processor هو الذي ينفذ لك برنامجك (ارادة الله تحول اراداتك - الملتزمة بقوانين الكون وسننه - من مجرد ارادة الى واقع ملموس, والا فإنه "لا حول ولا قوة إلا بالله" , اذ انك لا تستطيع تنفيذ شيء الا بقدرته)
-
ارجو ان يكون الأمر قد وضح
---
والله أعلم
.

مواضيع ذات صِلة:
-----------------
الجبر والاختيار, عقيدة وعمل
http://cleardeepthinking.blogspot.com/2010/05/blog-post_06.html
.
مُسَير أَمْ مُخَير (1)
http://cleardeepthinking.blogspot.com/2008/05/blog-post_07.html

فعالية الدعاء بين “رفعت الاقلام وجفت الصحف” وبين “ادعونى استجب لكم”
http://cleardeepthinking.wordpress.com/2014/04/19/%D9%81%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D8%A1-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%B1%D9%81%D8%B9%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%AC%D9%81%D8%AA-%D8%A7%D9%84/

ليست هناك تعليقات: