الخميس، 9 أبريل 2009

بحور الآثام وتزيين الشيطان


السلام عليكم
يالها من أنهارٍ عذبة, أسبحُ في مائِها الفرات, كالعسلِ في مذاقهِ, ممتعة السباحة فيه والاغتمار به. كان هذا حالي ليل نهار وما أحلاه وماأطلاه من حال. كان الزمان يعبر علي أو أعبر عليه بسرعةٍ أستبق فيها الأحداث أوتستبقه. وفي ذات يوم وأنا أغوص غوصاً عميقاً في بحري الشهي الذي أنساني أني كائن بري فأصبحت لا أغادره ليلَ نهار, فإذا بي برجلٍ للتو خرج من بحر ذي ملحٍ أجاج ولونُ سوادِه كالقار الخام, رائحته كريهة, فعجبت من أمره عجبًا! ما الذى رمى هذا الرجل على تحمل كل هذه الغصة؟!
عرض على الرجل كوباً من مسبحه المقيت لأشرب منه!! تعجبت لذلك كثيراً وحسمت أمرى ألا أتناوله, إلا أنه أقسم علي أن أتذوقه فقط بطرف لساني فإن لم يعجبني تركته, ولكن اشترط علي شرطًا قبل شرابي! أن أستعيذ بالله من وساوس نفسي والشيطان, ففعلت لإتخلص من إلحاحه ولكني قلتها بإخلاص شديد وخشوع, لا أعرف لماذا وكيف تنسجم حالتى هذه من إخلاص وخشوع مع سأمي من إلحاح الرجل. ذقت طعمه بطرف لساني .... ما هذا؟! يالها من مفاجأةٍ يُجَنُ منها العاقل!!

أحسست إحساسًا غريبًا, قشعريرةً كأنما أُبَدِلَ نفسي وروحي وأحاسيسي. وجدت نفسي أرتشف المزيد من هذا السائل الذي بدا لي قبل شرابه قاراً فإذا به الآن يتحول إلى عسل لم أذق في حلاوته ما يضاهيه!! وما أن حدث هذا وجدت المسبح الذي كنت اسبح وأغوص فيه, وجدته سائلًا أسوداً آسنًا عفنًا ووجدتنى مُجرداً من الملابس تماماً. ووجدت الرجلَ ملابسُه جافة بالرغم من أنه يسبح هو الآخر في مسبحٍ كمسبحي!! ووجدت عبق مسك فواح يأتيني من مسبحه. فما أن وجدت هذا أدركت أنه ما من تغيير طرأ على الماء نفسِهِ, ولكن التغيير طرأ على إدراك حواسي له فقد كنت مغروراً في حقيقته, والآن أراه كما هو دون تزيين نفسٍ ولا إغواء شيطان. فالآن أرى مِسبحي آسناً وأراني مكشوف العورة فيه, بينما أرى المسبح الآخر جميل العِطرِ ويسبح السابح به مستورةٌ عورته!!

فأدركت أن ما أنا فيه هو بحر الآثام العفن وتذكرت قول ربي سبحانه
"يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ "
صدق الله العظيم

وربطت ذلك بعريي لخلو أفعالي من التقوى, فما ترددت أن أقفز من بحر الآثام الآسن إلى مياه التقوى العطرة, فتبدل انكشاف عورتي بسِتر جميل بهي زكي وتذكرت حينئذ انطباق قول ربي علي في السابق قبل توبتي وانتقالي من الآثام للذلِ والإنكسار والطاعةِ لله
قال الله تعالى
"أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ "
صدق الله العظيم

فقد كنت أرى سوء عملي حسناً والآن أراه سيئاً عَفِنًا وتعجبت من نفسي أن كنت ميتاً وسط هذا الوسط القَذِر .... إنه إغواء النفس وتزيين الشيطان.

والله أعلم

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

تنويه هام

ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

هناك تعليقان (2):

أم عائشه يقول...

السلام عليكم
فعلا كل انسان منا بيرى نفسه فى مسبح عطر نقى نظيف ويرى نفسه افضل من غيره لمجرد ان الله فضله عليهم ببعض الخصال..
ولكن كل منا عنده شئ يزعجه ويكدر عليه حياته وحاله إذا تغلب عليه وتركه تغير حاله واصبح افضل مما كان عليه..ولكن للاسف النفس البشريه ضعيفه وحقيره لا تأخذ القرار بسرعه لتنقذ نفسها..وترى الافضل الغرق فى مسبحها عن انها تتحمل بعض الالم فى ان تتطهر ذلك المسبح.
جزاك الله خيرا وجعلنا وإياك من المتقين

انسان متأمل يقول...

جزاكم الله خيراً أم عائشة على التعليق الجميل.
أحمد كمال