الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

وجود الله - مناظرة فلسفية


سؤال  سيدة ملحدة


الكمبيوتر أكيد موجود لأني أقدر أتعرف عليه بحاستين من خمس حواس: شايفاه ولامساه وساعات باسمع صوته؛ أكيد له ريحة 
خاصة وطعم مش عايزة اعرفه. ده "عالم الشهادة"
ولكن هناك موجودات بالرغم من *غيابها عن* وعدم تجليها لحواّسنا. وهنا نذهب (لعالم الغيب) بحثاً عن الذرة، والكهرباء، والله والشيطان حتى نتعرف على الفرق الهائل بين نوعين من المعرفة الغيبية أي المعلومات/الادعاءات:

النوع الأول من الادّعاءات/المعلومات: يدعي علماء الفيزياء النظرية وجود جسيمات صغيرة داخل الذرة لا يراها أحد. هذا غيب. هل هذا النوع من الغيب يستحق أن نحترمه عقلياً؟
الإجابة هي: بنى علماء الفيزياء معجّل تحت الأرض –في سويسرا- وصرفوا عليه بلايين الدولارات في محاولة لإثبات وجود تلك الجسيمات أو تكذيب تلك الادعاءات الغيبية

النوع الثاني من الادعاءات/المعلومات أبوك يلقطك منذ لحظة ولادتك ويدّعي في أذنك معلومة غيبية: الشيطان موجود. يتلو الأذان في أذنيك لحمايتك منه. ثم يتبع ذلك مجموعة أخرى من ادعاءات/معلومات غيبية: الله موجود، الجنة، النار، الملائكة، الجن الذين يساعدون السحرة، الأشباح والأرواح الشريرة. . هل هذا النوع من الغيب يستحق نفس الاحترام العقلي الذي حظى به النوع الأول؟ هل نجمع بلايين الدولارت ونبني معملاً في السماء بحثاً عن هذه الجسيمات -أقصد الأجسام- الضخمة من للتحقق من وجودها؟ أم هل يتعارض ذلك مع التحذير الأبوي من الشيطان الرجيم الذي سمعته وعمري لحظة أم لحظتان؟ هل التنقيب والشك مسموح بيهم من الأساس أم أن أحد هذه الادعاءات/الأشياء لغيبية (الله) سيعاقبك بشدة لو لعبت بديلك وسيلقيك في شئ آخر غيبي (النار)؟

هل ترقى ادعاءات النوع الأول من المعرفة للمقارنة مع النوع الثاني؟





ردي على السؤال

حضرتك تكلمتي عن وجود الكمبيوتر كوجود أكيد لأنك ترينه وتلمسينه وتشمين رائحة اثر سخونة البروسيسور

ولكن السؤال ... هل فعلا انت متأكدة من وجود الكمبيوتر؟ هل تشعرين بالكميوتر "نفسه" ام بأثره على خلايا دماغك؟ 

كيف ستقنعين كاثنا ليس لدية حاسة البصر ان الكمبيوتر وجود له لون؟ كيف ستقنعين كائنا آخر فقد حاسة السمع بأن الكمبيوتر له مروحة تصدر ضجيجًا؟ بل السؤال الأكبر هو كيف ستقنعين كائنا ليس له اي حواس أن الكمبيوتر موجود أصلًا؟
اننا نحاول اقناع انفسنا عن طرق غير متعمقة في التفكير بأن ما نراه هو موجود لذاته وأن الوجود الموضوعي يختلف عن "آثار الوجود" مع اننا لو دققنا النظر والفكر فسنجد اننا ونحن نائمون نرى كمبيوتر آخر ونجزم بوجوده اثناء الحلم ... لماذا؟ لأن ادمغتنا استقبلت اشارات في مراكز الحواس تخبرنا بوجود كمبيوتر وهذه الاشارات هي نفسها التي تستقبلها ادمغتنا ونحن مستيقظون للدلالة على وجود الكمبيوتر الأول !!!

السؤال هنا هل هناك معنى لوجود الكمبيوتر بشكل موضوعي مستقل عن تأثير هذا الوجود فينا؟ ام ان تأثيره في ادمغتنا عن طريق حواسنا هو من دلنا 
على وجوده؟

 السؤال بصيغة اخرى ... هل الوجود منفصل عن "آثار الوجود"؟
 ان كل ما نشعر به حولنا في العالم وندعي انه موجود يقينا لمجرد اننا نستطيع تذوقه ما هو الا اثار وجود وليس وجود ...

في الحقيقة لكي نكون علميين في تفكيرنا يجب ان نستغنى عن تعريفنا الكلاسيكي للوجود بتعريف آخر وهو أن الموجود هو من له أثر على ادمغتنا يستوى في هذا الاحساس بهذه الآثار اثناء النوم او اثناء اليقظة!!
ان الكمبيوتر الذي رأيته في الحلم يحمل نفس درجة "حقيقة الوجود" للكمبيوتر الذي رأيته في اليقظة

... ان لهما نفس "الآثار" وهذا هو المهم لأنه ليس لدينا أي دليل آخر على الوجود الفعلي بالمعنى الكلاسيكي
يستطيع جهاز موصل بادمغتنا ان يوصل لاحساسنا اننا عشنا حياة كاملة ... هل نحن الآن على يقين أننا لسنا تحت تأثير هذا الجهاز المحفز لخلايا الاحساس في المخ؟
ان الخروج العلمي من هذا المأزق أن نعتبر أن "الوجود" ما هو الا "آثار الوجود" وأن لا معنى علمي للوجود بلا أثرٍ له

نأتي الآن الى وجود الالكترون ... ان احدا لم ير قط الكترونا (مع انه من مثال الكمبيوتر الرؤية ليست الا اثرا لوجود ... ) ولكن كل ما نستطيعه هو ان نلتقط اثر الالكترون على فيلم حساس او باثارته لشلة التلفاز وخروج فوتونا يصل ليعيننا (او بالاحرى لمخنا!!) وفي الحقيقة هذا كاف جدا لوضع "فرضية" وجود ما نسميه الآن بالالكترون
ان وجود الالكترون اصبح "حقيقة" لا لأننا رأيناه او تذوقناه ... بل لأننا قسنا أثره في المعمل وافترضنا فرضا او نظرية بأن هناك ثمة شئ له خصائص شحنة وكتلة ولف مغزلي لابد من "وجوده" حتى بحدث هذه الآثار التي نراها ولكن ماذا عن مثال آخر كالجرافيتون؟ ان العلماء قد صنعوا مسرعات جبارة ليكتشفوا ما اذا كانت نظرية الاوتار الفائثة او نظرية (م) صحيحة ... ولكن ماذا ينتظر العلماء حتى يقولوا بوجود الجرافيتون؟
ان الجرافيتون يعتبر خيطا مغلقا في نظرية الاوتار الفائقة وهذا الخيط هو الوحيد - دون باقي الجسيمات الاولية - القادر على الهروب من كوننا هذا الى كون آخر موازى أو (بران) بتسمية نظرية م
ولكن ماذا سوف نقيسه في المعمل؟ هل سنراه؟ هل سنشمه؟ لالا
ان أقصى ما نطمح اليه هو ان نرى اختلالا معمليا لقتنون حفظ الطاقة وبالتالي نستنتج انه كان ثمة جرافيتون موجود ثم فر الى عالم موازي!! ... مع ان العالم الموازي هو الآخر فرضية للنظرية! اذن نرى المنطق العلمي يتفق مع المنطق الفلسفي وهو ان الوجود ليس الا "اثر"  وانه ليس له تعريف منطقى ان لم يكن له اية اثر

حسنا . وجود الله.. 
 
 لقد سألوا أعرابيا بدويا عن وجود الله فقال لهم "الأثر يدل على المسير أفلا تدل بحار ذات أمواج وسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج على العلي القدير" ؟؟!!دعينا نتخلص من الحكم المسبق على هذا البدوي انه متخلف وانه لا يحسن التفكير ... ألم يفكر هو

بنفس المنطق العلمي الذي فكر به العالم السويسري القابع في الهوة المكيفة في مسرع سيرن؟؟ إنه فكر بالأثر أيضا واعتبر أن الأثر هو دليل على الوجود. قد يتفق الناس او لا يتفق مع البدوي البسيط في صحة ما توصل اليه ... ولكن كل منصف سيتفق ويقر بأن الأعرابي البدوي قد فكر تفكيرا علميا راقيا من غير أن يدرى أن الكون هذا بأسره هو اثر وجود الله بالنسبة لهذا الرجل البسيط كما أن اختلال بقاء الطاقة لوهلة هو اثر وجود الجرافيتون بالنسبة لنا في مسرع سيرن في القرن الواحد والعشرين المبدأ هو هو ... الأثر هو الفيصل ... وينفي العلم والفكر الحديث ان يكون هناك وجود بأثر ووجود من غير أثر فإما وجود بأثر أو لا وجود على الإطلاق
  
عندما أفكر أنا كعاشق للفيزياء وكمهندس للالكترونيات المتكاملة في قوانين الطبيعة التي تحكم الكون بداية من اللالكترون في سحابته الالكترونية في الذرة الى النجوم النيوترونية والثقوب السوداء أتعجب بشدة ... ان هذه القوانين بتعقيدها هي أثر ولا شك عندي في وجود عقل رياضي جبار أحكم كل قوانين الطبيعة بهذه الصورة والف معادلاتها بل ووضع لها صيغها وقيم ثوابتها الفيزيائية انني اجد أن ثبوت قوانين الطبيعة وعد تقلبها بشكل مجنون هو دليل "أثر" على عدم عقل مؤلف هذه القوانين وعدم تقلب مزاجه من لحظة الى أخرى !! انني اتعجب لماذا هذه القيم بالذات للثوابت الفيزيائية؟ لمذا لم يكن ثابت بلانك = 1 بدلا من كونه = 1 مقسموما على عشرة مرفوعة لاس 33 تقريا؟ من اختار هذه القيمة؟ ولماذا هي بالذات؟ لابد بالنسبة لي من وجود عقل مدبر  اختار تلك القيمة بعناية لغرض في نفسه قد اعلمه او لا اعلمه ولكني على يقين من أن وجود قوانين رياضية للطبيعة وثبات هذه القوانين وثبات قيم ثوابتها الفيزيائية هي "آثار" لوجود قوة مدبرة عظمى ليست موجودة داخل الكون "اثر وجودها" كما ان الجرافيتون ليس موجودا داخل اختلال قانون بقاء الطاقة في كوننا "اثر وجوده" ... قد يختلف معي الناس في صحة وصولي للنتيجة ولكني اظن انهم لن يخالفونني أن ما فكرت به هو منهج علمي فلا فرق بالنسبة للمفطر بين وجود الكمبيوتر ووجود الجرافيتون ووجود الله ... كلهم موجودون لأن كلهم لهم آثار !! ولا حيلة لنا في معرفة وجود اي منهم بدون الأثر ولا حيلة لنا أيضا في نفي وجود أي منهم مع وجود الأثر

انني اتخيل اننا قلنا للبدوي البسيط (الذي فكر تفكيرا علميا نظيفا) أننا نحن العلماء نصرف بلايين الدولارات لااكتشاف آثار الجرافيتون حتى نتأكد من وجوده ... فما بالك أجزمت بوجود الله من غير أن تصرف سنتا واحد

سيبتسم ابتسامة هادئة ويقول ... التفسير بسيط ... ان وجود الله اوضح من وجود الجرافيتون لأنه آثاره ممتدة وموجودة للعيان دائما أما وجود الجرافيتون فاثباته صعب لأن اثره سيمتد لجزء زمني متناهي الصغر ثم يختفي ... فيجب ان نعد له التكنولوجيا المعقدة لالتقاط اثره مما يكلفنا اموالا طائلة

 ================ 
عذرا ... لقد اطلت في الكتابة جدا ولكن اضطررت ان ارسخ فكرة  "معنى الوجود" وأن حواسنا ليست الا ادوات للاستدلال على وجود الكرسي او المنضدة كما انها هي نفسها بالإضافة الى عقلنا هم ادوات للاستدلال على وجود الجرافيتون وهم ادوات ايضا للاستدلال على وجود الله اما مسألة وجود الجنة والنار والشياطين والملائكة هي توابع لاقتناعنا بوجود الله من خلال الدين الذي نختاره ولا داعي في نظري للبحث فيهم اذا لم نقتنع بداية بوجود الله ونقتنع ان قضية الوجود هي هي لا تفرق بين اي موجود ... فالوجود بالأثر ولا غير حتى ان توهمنا غير ذلك



رد السيدة


لفه طويلة قوي يا أحمد حتى تثبت وجود الله الذي رأي أنه من الحكمة أن يخفي نفسه ويحملك مشقة إثبات وجوده أو أثر وجوده؛ أليس كذلك ؟ 

ردي اﻷخير

الله لم يخف نفسه أبدًا يا سيدتي الفاضلة ... أنا أراه بروحي كما أنت ترين المنضدة بعينيك ...ولكن المعضلة أنك ﻻ تعترفين بروحك من اﻷساس فطبيعي أﻻ ترينه بها ﻷن حاسة رؤيته المباشرة وهي الروح غير موجودة بالنسبة لك اهماﻻ لها لا حقيقة بها ... 
كثيرًا ما يكون من المعضلات إيضاح الواضحات ... يضطر اﻹنسان أحيانًا ﻷن يخاطب من ﻻ يعترف اﻻ بما يتذوق بلغته حتى يصل إليه ليزيل الغمة عن روحه (التي ينكرها!! .. يالها من مهمة معقدة!! ) ويأمل أن يزيل الغشاوة التي رانت على حواسه العليا - النابعة من روحه مباشرةً - فيجد المخاطب "الباحث الحقيقي عن الحق" بعد اقتناعه عقليًا أن الله تعالى أصبح أظهر له من الشمس في رائعة النهار ﻷن روحه قد عادت إليه وأصبح حيًا حقيقة ﻻ وهمًا


هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

جزااااااااكم الله خيرررا على الأسلوب المنطقى الأكثر من رااااااائع