الأربعاء، 9 مايو 2007

المتعارضات الموهومة في فكر المسلم المعاصر

السلام عليكم


السبب الرئيسي في تأخر الأمة الإسلامية في كل الميادين هو عدم تبنيها للإسلام كمحور حياة. وعدم تبني الإسلام ليس بالضرورة أن يكون ترك الدين بالكلية أو تهميشه ولكنه يمكن أيضًا أن يكون الفهم الخاطئ للإسلام وحقائقه. ومن ضمن هذه المفاهيم الخاطئة تناقضات موهومة بين أشياء من الدين وأشياء أخرى ضرورية جدًا للنجاح في الحياة وهي من الدين أيضًا لأن ديننا دائمًا وأبدًا يدعو إلى النجاح في الحياة الدنيا والآخرة. ولكن ياللأسف فإن الخطاب الإعلامي الديني الموجه للمسلمين ولا يركز إلا على الشق الأول من المتناقضات وبذلك أقصد عدم توضيح إسلامية الشق الثاني وأنه لا تعارض بينهما في ديننا. ونتيجة لهذا, ينشأ التعارض تلقائيًا في عقل المسلم البسيط فتكون الكارثة التي نعيشها اليوم ونتجرع مرارتها. ويمكن إعطاء أمثلة لهذه المتناقضات الموهومة كالآتي

ملحوظة: البند الأول في كل زوج من المتناقضات هو مايتم التركيز عليه عادة في إعلام المسلمين اليوم


الرضا بالرزق والطموح
تقال كثيراً هذه العبارة "أرضَ بقليله ولا تطمع" وهذه العبارة لا تصح إلا لو بذلت أقصى ما في وسعي من السعي الحلال وبالرغم من ذلك لم يأتني من رزق الله إلا القليل فالرضا هاهنا يحميني من النظر لغيري نظرة الحقد والحسد. ولكن يوجد شئ مهم أن هذا الرضا برزق الله فيما مضي لا يمنعني من أن أطبق الشق الآخر من المعادلة وهو الطموح في أن يكون لدي عائد أكبر وذلك عن طريق التغيير من نمط حياتي وتعلم مهارات حظي قليل منها بل والسفر والتجوال للبحث عن رزق الله في أرض الله
قال الله تعالى في سورة الملك -آية 15
"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ "
صدق الله العظيم
يقول الإمام الشافعي في فضل السفر للبحث عن الرزق من قوت ومن علم وخاصةً إذا كان موطنك قليل الرزق والحرية
ارحل بنفسك من أرضٍ تضام بهـا.........ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث فـي مواطنـه........... وفي التغرب محمولُ على العنـق
والكحل نوع من الأحجار تنظـره......... في أرضه وهو مرمي على الطرق
لما تغرب حـاز الفضـل أجمعـه........... فصار يحمل بين الجفـن والحـدق
------------------------
وبذلك نفهم أن حقيقة الرضا يتعلق بكل ما لا يستطيع الإنسان تغييره وذلك مثل "ماضي الإنسان" أما ما يستطيع الإنسان تغييره وذلك كــ "تأثير ماضي الإنسان على حاضره ومستقبله!!" فإنه من الحماقة أن يترك تغييره بحجة الرضا ومثال توضيحي لذلك هو :تغيير حالة الفقر مثلا إلى حالة أكثر غنىً يكون فيها كفاف لعياله عن سؤال الناس.
فالطموح وما ينبني عليه من تغيير هو جزء من قدر الله ولا تعارض بين تغييرك لحالك وبين الرضا بما قسمه الله لك لأنك ان اجتهدت في تحصيل الرزق الحلال فهذا هو عينُ الرضا بما قسمه الله لك وهو الاجتهاد الذي استخدمته في تحصيل الرزق, فالاجتهاد نعمة من الله قد منحها إياك وبالتالي فهي من القسمة والرزق!!
وترك العمل بحجة أن هذا قدرك, هو خداع للنفس وركون إلى البلادة لأنك لا تعلم ما هو قدر الله لك وقسمته فيك حتى تستسلم له, بل أنت حرٌ مخيرٌ لست بمسير, فليكن تغييرك لحالك للأفضل هو قدر الله, ولتكن أنت من قدر الله, الذي قدره لتغيير حالك (التي لا يمت استمرارها لقدر الله بصلة) إلى حال أفضل أرغد (والذي هو عين قدر الله) !

-------------------------
الزهد والثراء
كثيراً ما يُدعى إلى الزهد وقد أُسئ فهم معنى الزهد وظنه الناس معارضًا لامتلاك الثروة فالزهد ليس ألا يكون لك من المال إلا اليسير ولكن الزهد هو أن تمتلك الدنيا ولا تمتلكك. هو أن تكون عبدًا لله فيصير الله الدنيا خادمةً لك؟ هو أن تكون الدنيا بين يديك وتحت قدميك ولا تكون في قلبك أو أن تكون أنت خادمًا لها تحت قدميها
والثراء له شرطان إذا حققتهما فامتلك من الثروة ما شئت
أولاً: إخراح حق الفقراء في ثروتك من زكاة وصدقات
ثانياً: عدم الإسراف من المال وإن كان حلالًا
قال تعالى في سورة الأعراف - آية 31
"يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ "
صدق الله العظيم

الدعاء والسعي
هناك الكثير من الناس يقصر في بذل الجهد ويدعو الله بالنجاح. يالها من سخرية من الدين واتخاذه هُزوًا. إن الدعاء يكون موازيًا لعمل جادٍ كادح ولو لم يتحقق ذلك لا يكون للدعاء فائدة فإن الله لا يلتفت إلى دعاء من يستهزئ بسننه التي وضعها في الكون. فعلى الإنسان بذر البذور ورعايتها مع دعاء الله بإنشائها وخلقها من موت إلى حياة لكي يبارك الله له في محصوله . يقول الله تعالى في سورة الواقعة آية 63 و 64
صدق الله العظيم
وقد كفل الله نتيجة للسعي لكل من المستعين بالله وغير المستعين ولكنه كفل نتائج أكبر وأجل سواءًا في الدنيا والآخرة لمن يؤمن بالله ويستعين به
قال تعالى في سورة فصلت - آية 10
"وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ"
صدق الله العظيم
ويمكن تلخيص نتيجة السعى والدعاء في معادلة بسيطة ساذجة لا تعبر عما يحدث حقيقةً على سبيل الدقة ولكنها مجرد تقريبٌ المعنى لأولى الباع في علم الرياضيات
النتيجة= (السعي المستطاع)× (1+الدعاء) فلو أن السعي المستطاع = صفر ادعُ كما تشاء فلن تحصل على شئ بينما لو سعى الكافر بوجود الله أصلًا بدون دعاء (الدعاء=صفر) فسيحصل على نتيجة وهذا ما يحدث في بلاد الكفار

الإحساس بالأمان والتخطيط للمستقبل

إن الإيمان يكفل للإنسان الإحساس بعدم القلق لأن الله تعالى لن يتخلى عنه في الدنيا والآخرة لأنه مؤمن به متبع لشرائعه ولكن هذا لا يدعو إلى أن ينتظر الإنسان الغد دون تخطيط لهذا الغد, فالتخطيط أساس النجاح في هذه الدنيا وقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة الكرام ألا يتصدق بكل ماله احتساباً لمستقبل عياله حتى لا يتكففوا الناس

الصبر والتغيير
ومن المغالطات المشهورة والتي تدعو الناس إلى السبات العميق هو أن الصبر يتعارض مع التغيير فالصبر هوا فيما مضى من مصائب وفيما هو جار من ابتلاء لا يستطيع الإنسان رفعه ولكن هذا لا يدعو مطلقًا إلى السكوت على الظلم وعدم مقاومته فهذا مع ذاك جنباً إلى جنب. يقول الله تعالى في سورة الشعراء - آية 227
"إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ "
صدق الله العظيم
وفي سورة الشورى - آية 41
"وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ "
صدق الله العظيم

وهذا على سبيل المثال لا الحصر من المتناقضات الموهومة في عقل المسلم المعاصر والتي زُرعت فيه زرعًا حتى يغفو ولا يكاد يفيق

والله أعلم
تنويه هام
ما يُنشر في هذا الموقع هو مجرد آراء وأفكار شخصية للمؤلف ولا يُعتمد عليها في تفسير مقاصد الدين الإسلامي ولا القرءان الكريم

ليست هناك تعليقات: